(رفض«صفقة القرن»الأميركية – الإسرائيلية، باعتبار أنها لا تلبي الحد الأدنى من حقوق وطموحات الشعب الفلسطيني، وتخالف مرجعيات السلام المستندة إلى القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، ودعوة الإدارة الأميركية إلى الالتزام بالمرجعيات الدولية لعمل السلام العادل والدائم والشامل.)، ذلك هو أحد مقررات اجتماع الدورة غير العادية لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى وزراء الخارجية الذي انعقد مطلع الشهر الجاري بطلب من دولة فلسطين. والمعلوم أن الاجتماع جاء بعد إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب لبنود مبادرة السلام الفلسطينية – الإسرائيلية والتي سبق وأن أشار إليها خلال حملته الانتخابية قبل توليه رئاسة بلاده. والأمر اللافت للنظر هو تغييب الطرف الأهم وهو القيادة الفلسطينية التي تمثل الجانب الخاضع للاحتلال الإسرائيلي بجانب غياب أعضاء اللجنة الرباعية حول السلام في الشرق الأوسط. وهذا الأمر لا يدل فقط على ضعف الجانب العربي ممثلاً بجامعة الدول العربية، بل يشير أيضاً إلى ضعف واضح للسياسة الأوروبية ممثلة بالاتحاد الأوروبي من جانب، والأمم المتحدة من جانب آخر.
وتبدو المشكلة في أن اتجاهات التسوية المطروحة من الجانب الأميركي، وتحديداً في ظل إدارة ترامب، لا تحقق الطموح الفلسطيني الذي يتركز أصلاً على تدشين الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية وفق قرارات مجلس الأمن الدولي الخاصة بالصراع الفلسطيني- الإسرائيلي.
وتعود المخاوف التي أثارتها خطة السلام الأميركية إلى خطوات سابقة اتخذتها إدارة ترامب، ففي أواخر عام 2017 اعترفت الإدارة الأميركية بالقدس العربية «عاصمة» لإسرائيل، ثم جاء بعد عامين تقريبا وقع «ترامب» قرار الاعتراف الرسمي الأميركي بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان التابعة للسيادة السورية. ثم يأتي قبل أيام إعلان «ترامب» تفاصيل المبادرة الأميركية الجديدة لإحلال السلام في الشرق الأوسط، وكان المأمول أن تستند المبادرة إلى الإجماع الدولي الذي يستند على المقررات الأممية الصادرة منذ عام 1947. ففي ذلك العام صدر قرار الأمم المتحدة رقم 181 والذي قسم فلسطين إلى دولتين ومنح على إثرها الفلسطينيين دولة على مساحة تعادل 42.3% من مساحة أرضهم الأصلية، ثم تقلصت تلك المساحة إلى ما يعادل 22% بعد قرار الأمم المتحدة رقم 242 للعام 1967، لتصل إلى 15% حسب مبادرة الرئيس الأميركي «ترامب».
والملاحظ أنه عقب كل قرار أو مبادرة تهدف إلى محاولة وضع نهاية للصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، تزداد نبرة التفاؤل بتسوية شاملة، ما يجعل البعض يعتبرها «فرصة ذهبية لن تتكرر»، خاصة لاستئناف الاهتمام الدولي بهذه القضية التي تجاوز عمرها الآن سبعة عقود. لكن المخاوف تظهر عادة من مغبة استغلال حالة الضعف العربي وأيضاً التدخلات الإقليمية المغرضة التي تسعى للاتجار بالقضية الفلسطينية، ومن ثم تدفع باتجاه خلط الأوراق، وإطالة أمد الصراع، وتكون النتائج خطيرة تمهد لابتلاع المزيد من الأراضي الفلسطينية من خلال بناء المستوطنات التي ترفضها جميع المقررات الأممية.
  ولكن الملاحظ مؤخراً أن الضعف العربي امتدت عدواه للاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة واللذين وقفا عاجزين أمام بنود مبادرة الرئيس الأميركي الأخيرة.
والأمر الواضح للعيان أن محور القضية يكمن في المفاوضات التي تعكس دائماً القوة الواقعية على الأرض، ووفق هذا المنطق تأتي مخرجات التفاوض لتعكس موازين القوة الحقيقية، فلا ينبغي أن نتوقع مخرجات مثالية للتفاوض في الظروف الراهنة بما يحترم القانون الدولي وترتكز على القرارات الدولية ذات الصلة، بل تصب عادة في صالح الطرف الأقوى. ويمكن التعويل على موقف عربي متماسك يوازن بين الحقوق الفلسطينية المراد ضمانها في أي تسوية وبين الموقف الأميركي الذي يريد تحريك عملية السلام، لأن البديل سيكون «وأد» كافة القرارات الأممية والعربية الخاصة بالقضية الفلسطينية على مرأى ومسمع العرب.