لم تتحدث لندن الرسمية عن القصة في شكل واسع إنما الصحافة في أميركا والكويت وماليزيا هي التي تحدثت وفصّلت، فلجنة مكافحة (جرائم الاحتيال الخطرة) البريطانية، وضعت تقريراً وزع على نطاق محدود بدايةً، يفيد بأن هنالك عمليات احتيال في صفقات شراء طائرات بوينغ تحديداً. لكن «واشنطن بوست» الأميركية، و«القبس» الكويتية، والصحف الماليزية المصنفة عام 2016 م ب(الحرة جزئياً) من قبل «فريدم هاوس العالمي» (=4 نقاط من 7) هي التي أتاحت للقارئ فرصة لمعرفة تفاصيل أكثر في الموضوع المثير، الذي تحوّل كما يبدو إلى قصة خبريّة نامية، ومرشحة للاتساع.
فشركة بوينغ الأميركية التي صنعت معظم الطائرات النفاثة التجارية الحديثة، وفي رأس قائمتها الطائرة 777 B ذات المحركين، وطائرات أخرى أكثر حداثة، وزبائنها الدوليون بالمئات، هي اليوم في دائرة التحقيق من قبل اللجنة البريطانية لمكافحة عمليات الاحتيال الخطرة، وعلى مرمى من الصحافة العالمية، فالجميع بات يعلم بأن شركة بوينغ نفسها كانت من ضمن مصادر معلومات اللجنة البريطانية، فهي من كشف بأن هنالك صفقات شراء طائرات إلى (إير ايشيا) ومكتبها في كوالالمبور، دُفعت فيها رشىً مقدارها 50 مليون دولار، وفور تبلّغ المكتب بهذا الخبر الصادم، أبدى تعاونه الكامل مع لجنة التحقيق، وهذا ما نقلته «الواشنطن بوست».
الموضوع على مألوفيته في عصرنا الراهن والغريب، إلا أنه ما كان ليكون على هذا النحو من الاتساع بالنطاق والتفاصيل، لو لا دخول الصحافة على الخط لتكسبه أهمية وتمنحه قدراً من طاقتها. الأمر الذي يحيلنا إلى قول (لو خيّرت بين حكومة بلا صحافة، وبين صحافة بلا حكومة، لاخترت الثانية بلا تردد). وهذه المقولة التي خرجت من المأثور لتصبح خالدة بسبب ما انطوت عليه من معان وأبعاد، هي لـ(توماس جيفرسون) الرئيس الثالث للولايات المتحدة الأميركية عام 1809م. الذي كان أول وزير خارجية لأميركا في عهد الرئيس الأول (جورج واشنطن) عام 1790م. والمقولة، كما نظّر لها أساطين الإعلام في العالم، يُعزى لها الفضل بنقل الإعلام والصحافة المكتوبة، من كونها حمّالة خبر، إلى آفاق واسعة بلا حدود، ولتصبح أحد الأركان المهمة التي يرتكز عليها بناء الدولة الحديثة. ولعله من هنا استحقت مسمّى السلطة الرابعة، لدورها التعاضدي مع باقي السلطات الثلاث الأخرى. فما تستطيع أن تعطيه الصحافة الحرّة لأصحاب القرار في الدولة الحديثة، هو كثير ولا يقدر بثمن، وفائدته تشمل كافة مجالات التنمية في المجتمع ومؤسسات الحكومة، فعلى سبيل المثال لا التحديد: ظاهرة الفساد المستشرية في عدد من بلدان العالم، وتناميها المتسارع في كلا القطاعين العام والخاص، والتي تعمل الحكومات الرشيدة، جاهدة، على مكافحتها بشتى الطرق والوسائل، لا يمكن الحد منها أو القضاء عليها من دون صحافة وطنية حرّة، فالصحافة وحدها القادرة على رصد كارثة الفساد، وظهير المتصدين لها. كما أن خطط التنمية الشاملة، غالباً ما تكون ظاهرة الفساد حجرُ عثرة في طريق تنفيذها الهادف إلى جودة الحياة البشرية.