تبدو الرؤية مضاعفةً، حين تكون عندك عينُ الفكرةِ، وعينُ اللغة، عينان تتنازعهما رحلة أستاذ الآداب واللغة، السعودي، الدكتور منصور بن إبراهيم الحازمي، الدؤوب على صقل المعنى بالمبنى.
الحازمي، أديبٌ كبير، أدرك من وسط الثقافة شؤونها، ومن تاريخ الأكاديمية فنونها، فرتّب التاريخ الأدبي السعودي، في موسوعة ضخمة، ترأس لجنة العمل فيها، كما سيأتي.
ولد بمكة، عام 1935، وبها تعلم وتأسس، ونال الدكتوراه من قسم الدراسات الشرقية الأفريقية بجامعة لندن، عن أطروحته حول:«الرواية التاريخية في الأدب العربي الحديث»، في 1966.
عمل أستاذاً بكلية الآداب بجامعة الملك سعود، ثم رئيساً لقسم اللغة العربية، وأصدر مجلة كلية الآداب عام 1970، ورأس تحريرها سنوات، وكان عضواً بلجنة جائزة الدولة التقديرية في الأدب، وعضواً بلجنة اختيار الفائزين بجائزة الملك فيصل العالمية للأدب العربي، واختير عضواً في مجلس الشورى السعودي.
وللشيخ العتيد منصور، درجات عاليات من السبق العلمي، والفقه اللغوي، والامتداد الأدبي، تجلت عبر مشروعات، وكتبت مدونات، وعلى يديه نبض خافق الثقافة السعودية، في تحولات ومجالات، فهو رائدٌ، محنك القول، سديد الرأي، متفوق الطموح، فامتلأت سيرته بالمناقب والمنجزات. من مؤلفاته: «الرواية التاريخية في الأدب العربي الحديث»، و«معجم المصادر الصحفية لدراسة الأدب والفكر في المملكة العربية السعودية»، و«فن القصة في الأدب السعودي الحديث».
وكان لأعماله النقدية ورصده الأدبي، سبب لحصوله على جائزة الملك فيصل العالمية في الأدب العربي، واعتبر موقع الجائزة سبب منح الدكتور الحازمي الجائزة، أنه: «من أبرز النقَّاد المعَاصِرين في المملكة العَربيّة السعوديّة. وقد عُني بنقد الرواية التاريخية في العَالم العربي عامة، وبنقد الرواية والقصة القصيرة في المملكة خَاصة، كما أسهم في رصد الإنتاج النَّثري، وكان له فضل الريادة في هذا المجال».
في عام 2003 صدرت موسوعة «الأدب العربي السعودي»، وضمت أكثر من 500 تعريف بكاتب، مع نماذج لأعمالهم الأدبية، وكان الدكتور الحازمي مع مجموعةٍ من الباحثين ممن قام عليها. الموسوعة في تفريعاتها المتبعة، اتخذت من: «البدايات- التأسيس- التجديد- التحديث»، منهاجاً لعرض من ترجم لهم. ففي مقدمتها يقول الحازمي: «لقد أردنا أن تكون هذه الموسوعة سجلاً تعريفياً للتطور الثقافي الذي عاشته بلادنا طوال الحقبة الماضية».
جاءت الموسوعة في عشرة مجلدات، وعمل على إنتاجها إضافة إلى الحازمي: عبدالرحمن الأنصاري، عبدالله المعيقل، مرزوق بن تنباك، معجب الزهراني، عزت خطاب، ونذير العظمة.
جوبهت الموسوعة إثر صدورها بحملةٍ شعواء، وكتب الزميل ميرزا الخويلدي تحقيقاً عنها في «الشرق الأوسط» في 3 فبراير 2003، فقال: «تراوح الهجوم الموجه للموسوعة من مشارب أدبية متعددة، بين الطعن في الموسوعة نفسها باعتبارها «ولدت ميتة»، وأنها كتبت في أجواء من «التكتم والسرية»، وبين الهجوم الشخصي على القائمين على أول موسوعة تتناول مسيرة الأدب السعودي، منذ نشأة المملكة، بأنهم مجموعة من الأسماء «لم تنتج من قبل، فكيف بها اليوم تتصدى لموسوعة»، كذلك هناك اتهام «بافتقاد الأمانة العلمية»، و«الانحياز»، وانصب الهجوم بشكل خاص على الفريق العلمي للموسوعة الذي يرأسه الدكتور منصور الحازمي».
ربما ظنّ البعض أن الموسوعة حداثية، أو تهمش نتاج المحافظين، غير أن الجهد الذي بذله الحازمي مع زملائه من أدباء ومفكرين كبار، يشهد لهم بالقدرة على التوثيق لحقبةٍ كانت مهملة، وهو اجتهادٍ بادئ، يمكن إكماله بمشاريع أخرى، رغم أهمية ما تضمنته.
يقول الدكتور عبدالله المعيقل، أستاذ الأدب الحديث: «الدكتور منصور بن إبراهيم الحازمي، يُعتبر رائد الأوليات في الأدب السعودي، وبالتالي أوّل من أدخل النقد الأكاديمي في الأدب المحلي، بعد أن كان النقد بلا معايير وضوابط». ويُعد المعيقل كتاب الحازمي «فن القصة في الأدب السعودي الحديث»، بأنه «أوّل كتاب عن القصة الطويلة والقصيرة، فهو الحجر الأساس الذي قامت عليه الرواية والقصة الحديثة»، وأن كتاب الحازمي «معجم المصادر الصحفية»، هو «أول معجم في عالم الصحافة في ذلك الوقت»، وكتابه «في البحث عن الواقع»، كان «أول كتاب تطرق فيه لموضوعات جديدة كأدب المرأة وأدب الشباب والأدب الشعبي» وفِي كتاب «الوهم ومحاور الرؤيا»، تطرق الحازمي لـ«علاقة الأدب الوطني والنقاد العرب». وبحسب المعيقل أيضاً فكما كان الحازمي رائد البدايات النقدية، فإن «الجيل الثاني من طلاب الحازمي الدكتور، حمزة المزيني، وعبدالله المعيقل، والرحيل».
الأستاذ الكبير منصور الحازمي، تاريخٌ من الريادة في دراسات الأدب واللغة والنقد والرصد والإنتاج الثقافي، قاده لذلك علو كعبه في المعرفة والتخصص، وما امتلأ به من شغف بالكلمة السعودية.