هناك ترسانة قانونية دولية مهمة، من معاهدات وقرارات، لمنع تجنيد الأطفال في النزاعات المسلحة، نذكر منها مثلاً معاهدة 1989 حول حقوق الطفل التي تحظر تجنيد واستعمال الأطفال، وفي سنة 1997 اعتمدت مبادئ كيب تاون التي تنص على منع تجنيد الأطفال وتحث على تسريح المجندين منهم، والمساعدة على إعادة إدماجهم في المجتمع. وفي سنة 1998 أنشئ التحالف لوقف استعمال الأطفال المجندين، ومنظمة «أرض البشر» (مقرها لوزان)، من الأعضاء المؤسسين. وشهدت سنة 2002 رفع البروتوكول الاختياري لمعاهدة حقوق الأطفال السن الأدنى للتجنيد إلى 18 عاماً. وفي نفس السنة اعتبرت المحكمة الجنائية الدولية تجنيد أو توريط أطفال تقل أعمارهم عن 15 عاماً في نزاع مسلح، جريمة حرب. وإلى ذلك يُعلِن قانون حقوق الإنسان سن الـ18 بوصفها الحد القانوني الأدنى لسن التجنيد ولاستخدام الأطفال في الأعمال الحربية، وتضاف أطراف النزاع التي تجنِّد وتستخدِم الأطفال، بواسطة الأمين العام، في قائمة العار التي يصدرها سنوياً.
ورغم هذه المعاهدات والقرارات والأعراف، فإن التقارير الدولية توحي بوجودها في مناطق متعددة من العالم. وقد قامت الأمم المتحدة ومنظمات دولية عديدة، منذ أيام، بدق ناقوس الخطر بشأن تجنيد الأطفال في الحروب، مشيرة إلى أن هذه الظاهرة تعرف ارتفاعاً غير مسبوق، إذ بدل أن يلج فلذات أكبادنا المدارس، يُزَج بهم في أتون الحروب، ويحملون في بعض الأحيان أسلحة أكبر من قامتهم ويشاركون في صراعات يجهلون معناها والفاعلين فيها، وتلجأ ميليشيات مسلحة وقوات شبه عسكرية وأخرى حكومية، إلى تجنيد الأطفال لاستخدامهم في مهمات عسكرية ولوجستية مختلفة.
وحسب منظمة «رؤية العالم»، في آخر تقرير نشرته بمناسبة اليوم العالمي للأطفال المجندين الموافق 12 فبراير، فإن عدد هؤلاء وصل 300 ألف طفل، وهو رقم كبير ومخيف، رغم المساعي الدولية للقضاء على هذه الظاهرة.
وتبدو ظاهرة تجنيد الأطفال واضحة في العديد من مناطق الصراع، إذ تقدر الأمم المتحدة أن أكثر من 19 ألف طفل قد استخدموا جنوداً في الحرب الأهلية بجنوب السودان منذ عام 2013. وفي نيجيريا جندت جماعة «بوكو حرام» أكثر من ألفي طفل عام 2016 وحده، استخدمتهم كـ«قنابل بشرية».
وقد بينت وثيقتا «مبادئ باريس» و«التزامات باريس»، خلال المؤتمر الذي نظمته فرنسا بالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) في 2007، مفهوم الأطفال المجندين، باعتبارهم فئات الصغار الذين يرتبطون على أي وجه (قتالي أو لوجستي) بجماعة عسكرية قبل أن يبلغوا سن الثامنة عشرة، بمن فيهم الأطفال والغلمان والفتيات والفتيان الذين يتم استخدامهم كمحاربين، أو كطهاة، أو كحمّالين، أو كجواسيس، أو غير ذلك. ولا يجب أن ننسى أن هناك أطفالاً اختاروا رفع السلاح بشكل تلقائي لأسباب عدة، وخاصة بسبب بسب الفقر الذي يعيشون فيه، وأحياناً من أجل الثأر لمقتل أحد أفراد عائلتهم، حسب منظمة «رؤية العالم».
ولا يجب أن ننسى أن الأطفال المجندين يعدون ضحايا، وأن مشاركتهم في النزاعات المسلحة تؤدي إلى آثار صحية، جسمية ونفسية، خطيرة بالنسبة لهم. وغالباً ما يخضعون لأنواع شتى من الأذى ويواجهون الموت والقتل والعنف الجنسي، بل إن كثيرين منهم يُجبَرون على ارتكاب مجازر لدرجة أن بعضهم يعاني من آثار سيكولوجية خطيرة، ومن ثم فإن عملية إعادة دمجهم تمثل أمراً بالغ التعقيد.
ومع تواصل الصراعات والاستخدام المستمر للأطفال في الحروب، أما آن الأوان لإعادة صياغة النقاش بشأن الجنود الأطفال والتشديد بشكل أفضل على التحديات الأمنية التي يمثلها استغلالهم في الصراعات. يجب الاعتراف بأن هذه الظاهرة مصدر قلق أمني، وليست مجرد معضلة معنوية وأخلاقية. وتغيير الطريقة التي تتحدث بها الأطراف المختلفة عن هذه القضية، سيسمح لعدد كبير من الجهات الفاعلة بالمشاركة في إيجاد حلول أكثر نجاعة، قد تضع حداً لهذه الممارسة اللاأخلاقية واللاإنسانية.