على مدى فترة رئاسة ترامب، كانت ثمة تحذيرات كثيرة من تداعيات الالتفاف على نظام «الضوابط والتوازنات» المسن الذي تتبناه الجمهورية. وبمساعدة «غرفة صدى» يهيمن عليها الجناح اليميني، دفع بسردية تخلط بين المصلحة الوطنية ومكاسبه الشخصية، وبين الوطنية والولاء المطلق لشاغل المكتب البيضاوي.
وبينما ينكب ترامب على حملة إعادة انتخابه وينتشي بفوزه في مرحلة ما بعد محاكمة العزل في مجلس الشيوخ، والتي كانت فيها التبرئة دائما على ما يبدو أمرا واقعا بفضل حزب «جمهوري» تسيطر عليه «الترامبية» بشكل كامل، يزيد من الضغوط على ديمقراطية أميركا الخاضعة للاستقطاب. فدعواته هذا الأسبوع لمحاكمة أعدائه المتصوَّرين، وهجماته العلنية على قضاة ومدعين عامين فدراليين منخرطين في قضايا ضد حلفائه، كانت جد غريبة وغير طبيعية لدرجة أنها أدت إلى عتاب من وزير العدل ويليام بار، العضو في الإدارة الذي ينظر إليه إلى حد كبير من قبل مناوئي ترامب على أنه مذعن (لترامب) على نحو مثير للتساؤل.
مراسلو صحيفة «واشنطن بوست» في البيت الأبيض تحدثوا عن رئيس «مليء بالغضب، مصمم على الانتقام ممن يعتقد أنهم خانوه، ومحصّن من قبل حزب جمهوري مطاوع». وكتبوا أنه مستعد لجعل حكم القانون محل اختبار، ويجد راحة في فعل ذلك «لدرجة الشعور بأنه لا يمكن المساس به».
«جويس وايت فانس»، المدعية الفيدرالية السابقة، قالت لـ«واشنطن بوست» في قصة بتاريخ 12 فبراير: «إذا كان رئيس يستطيع التدخل في قضية جنائية من أجل مساعدة صديق، فليس ثمة شيء يمنعه من التدخل من أجل إلحاق الأذى بشخص يعتقد أنه عدو له»، مضيفة «هذا يعني أن السلطة التنفيذية باتت فوق القانون بأخطر طريقة. وهذه هي الكيفية التي تموت بها الديمقراطيات».
شعبية الرئيس تركت تأثيراً عميقاً على المجتمع الأميركي. تحقيق لـ«واشنطن بوست» نشر في 13 فبراير دقق في 28 ألف تبليغ عن التنمر في المدارس الأميركية ووجد مئات الحالات التي تم فيها استخدام خطاب متأثر بترامب للتنمر بطلاب من خلفيات لاتينية أو سوداء أو مسلمة.
وفي هذا الصدد، كتبت الصحيفة تقول:«منذ صعود ترامب إلى أعلى منصب في البلاد، تسربت لغته النارية – التي كثيرا ما يندد بها باعتبارها معادية للأجانب – إلى المدارس عبر أميركا». وأضافت أن «العديد من المتنمرين باتوا يستهدفون الآن الأطفال بطرق مختلفة عن تلك التي كانوا يتنمرون بها عليهم من قبل، وهناك أطفال صغار لم تتجاوز أعمارهم السادسة أحيانا يقلدون ويحاكون شتائم الرئيس والطريقة القاسية التي يطلقها بها».
هذا الاتجاه المقلق يشير إلى أزمة أعمق وانقسامات مترسخة. وفي هذا السياق، يرى «ديفيد روبرتس» من موقع «فوكس» الإخباري أن الولايات المتحدة توجد في قبضة أزمة «إبستيمولوجية»: مشروع للجناح اليميني عمره عقود يهدف إلى خلق فقاعة إعلامية خاصة به، فقاعة عزّزت واقعا سياسيا يتميز بالانقسام والاستقطاب ولا تستطيع فيه المعسكرات المتنافسة الاتفاق حتى على حقائق تتعلق بمحور خلافاتها.
*محلل سياسي أميركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلوميبرج نيوز سيرفس»