حصدت روسيا ثمار ثلاث سنوات من اتفاق التعاون مع دول «أوبك» بقيادة المملكة العربية السعودية لتأمين استقرار الأسعار في الأسواق العالمية، وهو الاتفاق الذي ينتهي بنهاية شهر مارس المقبل، دعماً لاقتصادها وتحقيقاً لمعدلات نمو مقبولة عالمياً ولفائض مميز لموازناتها المالية، حتى بلغ فائض الميزانية الروسية للعام الماضي نحو 32 مليار دولار، بما يعادل 1.8% من الناتج المحلي الإجمالي، وساهم بدعم مدخرات «صندوق الرفاه الوطني»، التي بلغت 124 مليار دولار، أي ضعف حجمها في عام 2018. وقد انعكس هذا الإنجاز ارتياحاً كبيراً لدى الرئيس فلاديمير بوتين الذي تفاءل بفترة التخطيط لتطور الإيرادات الفيدرالية من 317.7 مليار دولار العام الحالي إلى 331.12 مليار دولار العام المقبل، ثم إلى 343.9 مليار دولار عام 2022.
وتبرز أهمية «صندوق الرفاه»، بعدما أصبح الصندوق الاحتياطي الروسي الوحيد، منذ فبراير 2018، وهو جزء من آلية التقاعد المستدامة لمواطني الاتحاد الروسي على المدى الطويل، وتتمثل أهم أهدافه في تغطية العجز في صندوق المعاشات التقاعدية، وضمان تغطية عجز ميزانية الدولة. كما يشكل «وسادة أمان» للاقتصاد الروسي في حال تراجعت أسعار النفط مجدداً. وتخطط الحكومة للإنفاق منه خلال العام الحالي لتمويل مشاريع مختلفة، شريطة الحفاظ عل مدخراته بحدود حجم 7% من الناتج المحلي الإجمالي.
وعندما وُقع اتفاق التعاون عام 2016، كانت الأسواق تشهد تدهوراً في الأسعار من نحو 100 دولار لبرميل نفط برنت إلى أقل من 30 دولاراً. ونظراً للتجارب السابقة بين دول أوبك والدول المنتجة خارجها، والتي واجهت صعوبات في تحقيق أهدافها، فقد شكك المراقبون (حينذاك) في قدرة 24 دولة منتجة على الاستمرار في الاتفاق وتأمين الاستقرار في الأسواق، لكن التزام التعاون المتواصل بين السعودية وروسيا، ساهم بنجاحه، خصوصاً أن مجمل طاقتهما الإنتاجية يبلغ أكثر من 20% من الإنتاج العالمي البالغ 100 مليون برميل يومياً.
وتواصل وزارة المالية الروسية تخصيص فائض العائدات النفطية لشراء العملات الصعبة من السوق المحلية وتحويلها لصالح صندوق الرفاه الوطني، وقد بلغ حجم الأموال التي خصصت خلال الفترة بين 6 ديسمبر 2019 و6 فبراير 2020، نحو 8.25 مليار دولار، وتم توفير هذا الفائض نتيجة الفارق بين السعر المعتمد في الميزانية (41 دولاراً للبرميل) والسعر في الأسواق العالمية (مستقر منذ ثلاث سنوات فوق 55 دولاراً، ويصل أحياناً إلى 70 دولاراً للبرميل).
وتنتظر الأسواق القرار المرتقب في اجتماع أوبك وحلفائها مطلع شهر مارس المقبل، حيث يواجه اتفاق تخفيض الإنتاج تحديات صعبة، ولعل التحدي الأكبر في هذا الشأن هو فيروس كورونا الذي ساهم بخفض الطلب على النفط، وقد توقعت وكالة الطاقة الدولية انخفاضه بنحو 435 ألف برميل يومياً في الربع الأول من العام الحالي، متأثراً بالأضرار التي لحقت باقتصاد الصين وتبعاتها على العالم. هذا إضافة إلى أن بعض الدول التي تستعد لاستثمار حقول جديدة، مضطرة لزيادة إنتاجها، فضلاً عن حاجتها لزيادة عائداتها المالية، ما يدل على صعوبة المفاوضات المرتقبة، مع الإشارة إلى مخاوف روسية من توقعات البنك المركزي الروسي التي أطلقها في سبتمبر الماضي، وهو لا يستبعد فيها تراجع أسعار النفط إلى 25 دولاراً للبرميل، وذلك ضمن تصوره للمخاطر المحتملة.


*كاتب لبناني متخصص في الشؤون الاقتصادية