تبدأ بعض «الحوارات» على مواقع التواصل افتراضيةً وتنتهي «صراعات» حقيقية في ساحات المحاكم، فهذا يحتد بكلمة، وذاك يرد بأسوأ منها، ويتداخل بينهما آخرون، ثم يبدأ الجميع في حفلة السباب. وبتصاعد الموضوع ورفعه إلى العدالة، تبدأ حوارات أخرى تتعلق بالجانب القانوني من الأحداث، ويحدث المزيد من اللغط وسوء الفهم.
ولإزالة اللبس حول ذلك، نبدأ مع الجريمة وتقسيماتها، فللجريمة تقسيمات كثيرة يقوم كل واحد منها على اعتبار معين، فمن حيث الجسامة هناك الجناية والجنحة والمخالفة، ومن حيث السلوك الإجرامي هناك الجريمة الإيجابية والجريمة السلبية، ومن حيث القصد الجنائي هناك الجريمة العمدية والجريمة غير العمدية. ولهذه التقسيمات آثار قانونية، وهي ليست تقسيمات لمجرد المعرفة.
وثمة تقسيم للجريمة من حيث حق النيابة العامة في رفع الدعوى الجزائية عنها، فهناك الجرائم التي لا يجوز لها رفع الدعوى عنها إلا بشكوى أو طلب أو إذن، والجرائم غير المقيدة بهذه القيود، والنوع الثاني هو الغالب، استناداً إلى الأصل العام الذي يخص النيابة العامة دون غيرها حق رفع الدعوى الجنائية ومباشرتها، وهو اختصاص مطلق لا يرد عليه قيد إلا بنص استثنائي.
ومن آثار هذا التقسيم أن الدعوى الجزائية في جرائم الشكوى لا تُرفع إلا بناءً على شكوى المجني عليه، حتى لو علمت السلطات بوقوعها، مراعاة لصالحه الشخصي، إذ قد يفضّل طي الأمر وتجاهله. ومن ذلك جرائم السب والقذف، فهاتان الجريمتان من جرائم الشكوى، وللمجني عليه فيها الحق الكامل في تقديم شكواه أو عدم تقديمها، وله الحق الكامل في التنازل عنها بعد رفعها أو عدم التنازل، وله الحق الكامل في تقدير مقابل تنازله في حدود النظام العام والآداب.
وفي حال تقدَّم بشكواه عنها وأقيمت الدعوى، فهي تنقضي بتنازله عنها، سواء في مرحلة الشرطة، أو مرحلة النيابة، أو مرحلة المحاكمة. وفضلاً عن طريق التنازل، ثمة طريق الصلح الذي يحدث أمام النيابة العامة أو المحكمة، ويترتب على الصلح انقضاء الدعوى أو وقف تنفيذ الحكم الصادر فيها ولو كان باتاً.
وسواء في التنازل أو الصلح، لا يحق لأي جهة التدخل في التفاهمات بين الطرفين، على أن لا يكون التنازل أو الصلح معلقاً على شرط أو مقترناً بأجل، بمعنى أن الجهات الرسمية لا تكون طرفاً ثالثاً، فهي لا تتدخل في التفاهمات بينهما، ولا في الشروط التي تراضيا عليها، ولا تضمن تنفيذ تلك الشروط، ولا تشرف على الوفاء بها.
وفضلاً عن ذلك، للمجني عليه في السب والقذف، الحق في طلب التعويض، من خلال القضاء، عما قد يكون لحق به من ضرر مادي أو معنوي نتيجة الإساءة إليه، وهو الذي يحدد مقدار التعويض الذي يجبر ضرره، والمحكمة هي التي تحكم بالتعويض المناسب، وهذا التعويض يختلف عن العقوبة المالية المقررة للجريمة، فالغرامة المحكوم بها تذهب للخزينة العامة، بينما التعويض المحكوم به يذهب لجيب المتضرر. كما يملك المجني عليه التصالح مع الجاني جزائياً، أي التنازل عن العقاب المقرر لجريمة السب أو القذف، مع إبقاء حقه في مطالبته بالتعويض عن الضرر الذي لحق به.‏