في ليلة كان بدرها بوراشد دافع الإنسان في أي مكان نحو الأمل بكل ما أوتي من قوة روح الطموح، رجل يُعجز حواريوه من حوله قراءة أفكاره رغم لصيق القرب وطول الصحبة اللازمة.
شتان بين قامة تحيي الأمل في النفوس اليائسة، وآخرين يطيلون أمد اليأس في القلوب الفارغة.
في مجلس فكري، قال أحدهم من إحدى دول الخليج متى نسبق هذا الرجل في طموحه، قلت عندما تُنهي أول مشروع بدأه، يكون قد سبقك بألف عام لأنه ينافس الغزال في جريه نحو العلا.
هكذا هو صانع الأمل في النفوس والعقول العطشى للإنجاز المميز وسط سيول من اليأس المدقع يلف حول بعض العوالم.
«ستيف سوسبي» الصحفي الأميركي الذي حصل على الجنسية الفلسطينية، أوقفني على قدمي اللتين تنملتا في مكانهما لثلاث ساعات متواصلة لمتابعة دقائق الدورة الثالثة لصناع الأمل من الإمارات إلى فلسطين الحرية.
الفائزون الخمسة كانوا على قمة الأمل لأسس التفكير المنطقي بما قدموه للبشرية على حساب أدنى احتياجاتهم الشخصية.
ترى ما الذي حمل «ستيف» الصحفي الأميركي على هجر أميركا أرض تحقيق الأحلام حيث قمة الرفاهية والبهجة والديمقراطية في الحياة الدنيا ليختار العيش في فلسطين المحتلة من إسرائيل؟
ما هو الأمل الذي قام بصناعته «ستيف» في رام الله بالضفة الغربية ثم إحيائه في غزة؟!
ترك أميركا بعظمتها ورضي بالجنسية والزوجة الفلسطينية، التي غزاها السرطان من هنا تبدأ قصته مع الزمان.
ساعتها نذر حياته لقتل السرطان في مهده قبل أن يصل المصابون إلى اللحد، فأنشأ مركزا في رام الله، وآخر في غزة، وقد استطاع «ستيف» بإنسانيته توحيد الضفة مع غزة إنسانيا وإن عجزت السياسة عن القيام بهذا الدور.
«إن فلسطين، على كل حال، ليست مكاناً عادياً، إنها متوغلة بعمق في كل التواريخ المعروفة وفي تراث الديانات التوحيدية، شهدت غزاة وحضارات من كل صنف ولون تأتي وتزول، وتعرضت في القرن العشرين لصراع بين سكانها الأصليين العرب الذين اقتُلعوا وتشتت معظمهم عام 1948.
هذا الوضع لم يثن «ستيف» عن مواصلة مهمته الإنسانية بعيداً عن لغة السياسة المتصارعة. ارتقى سلالم خشبة مسرح الحفل البهيج واقفا أمام أكثر من 15 ألفا من نخبة المجتمع جاؤوا للمشاركة في هذه الصناعة الإنسانية السامية. بدأ كلمته بالتعبير صراحة عن وجهة نظره المجردة في فلسطين، فقال بأنها ليست إسلامية ولا مسيحية ولا يهودية ولا عربية، بل إنسانية، ولذلك فهي قضية عالمية تخص الإنسان في أي مكان، فأنهى كلمته المختصرة بفلسطين حرة.
«ستيف» هنا يمثل أحد صناع الأمل الإنساني لإعادة الحقوق إلى أصحابها إنسانياً إنْ لم يكن سياسياً.
ولم يصل «ستيف» إلى هذه المرحلة إلا بعد فرز 5000 من صُناع الأمل من قرابة 95 ألف مشارك من مختلف دول العالم، ومن ثم اختيار خمسة صناع أمل في الحصيلة النهائية.
لقد أحيا «ستيف» بكلمته المقتضبة الأمل في نفوس الجماهير من كل الفئات انطلاقاً من دار الحي، التي دائماً تتحف العالم بأروع الآمال في تحقيق مآل البشرية في إنسانيتها. أصبحت فلسطين في هذا الحفل الإنساني مدخلاً إلى العالم الأكبر الذي يتابع الحدث مباشرة عبر الفضاء «السيبراني» لحظة بلحظة، حتى حانت ساعة الفنان الفلسطيني عساف ليحيي في وجدان الحضور رائحة التراث وعبق الحاضر وآمال المستقبل في فلسطين الإنسانية والمستحقة للحرية بجدارة عدالة القضية.