تحمي الدول نفسها ضد دولة أخرى أو مجموعة من الدول بمقارنة ومطابقة قوتها مع قوة الطرف الآخر، ويمكن للدول أن تتبع سياسة توازن القوى عن طريق زيادة قوتها الذاتية، كما هو الحال عند الدخول في سباق التسلح أو في حيازة الأراضي على نحو تنافسي، وطوال التاريخ الإنساني كان هناك صراع هيمنة، وفرض النفوذ والسيطرة على الأماكن الأكثر ملاءمة لعيش الإنسان والموارد الضرورية ومنابعها والطرق المؤدية إليها بين الأمم التي تعمل على الحفاظ على ميزان التوازن الذاتي لها في ما بين التوازن المرن، وهو الذي يقوم بين دول تنتمي إلى فكر سياسي واقتصادي واجتماعي موحد أو متجانس، ولذلك يُطلق عليه أحياناً توازن الأنظمة المتجانسة أو توازن الأنظمة المعتدلة، وتوازن جامد وهو، على العكس، يقوم بين دول تنتمي إلى نماذج فكرية أو سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو حضارية متناقضة أو متنافرة، ولذلك يُطلق عليه أحياناً توازن الأنظمة المتنافرة أو الأنظمة الثورية.
ومن هذا المنطلق، تسيطر دول المركز الكبرى على كل ما يتعلق بقطاع تقنيات وتكنولوجيا التسليح والتسلح النووي، ومن يملك ماذا من السلاح ومتى، وبالتالي تتحكم تلك الدول في مخرجات ونتائج كل الحروب في العالم. والأمر الآخر الذي تسيطر عليه دول المركز ببقية العالم، هو المواد الخام في العالم، وخلفية وأسرار استخراج الطاقة التقليدية وأسرار وتكنولوجيا الطاقة البديلة. والأمر الثالث الذي يعد من أدوات السيطرة على القرار في العالم، وإرغام كل دول العالم على الرضوخ للقوى الكبرى هو أمن الغذاء وبالتحديد القمح والأرز ومختلف الحبوب الزراعية، ويلعب القمح دوراً مهماً في سياسات الدول الكبرى، ولذلك كان من المهم، وفق هذه السياسات، أن تتم عرقلة مساعي مصر على سبيل المثال في مشاريع الاكتفاء الذاتي في زراعة القمح.
ومن جانب آخر، تُعتبر نظرية توازن القوى إحدى الركائز الأساسية لكل من نظرية الواقعية الكلاسيكية ونظرية العلاقات الدولية، وتسعى لتوضيح مفهوم تشكيل تحالفات. ونظراً لفكرة الفوضى في العلاقات الدولية التي تتبناها الواقعية الجديدة، الدول يجب أن تضمن بقاءها من خلال الحفاظ على قوتها وزيادتها في عالم يزيد فيه الاعتماد على المساعدة الذاتية ومحاولة الدول تجنب الوقوع تحت أي هيمنة محتملة عليها من قبل قوى متوازنة ومتوازية ووفقاً لـ «كينيث والتز» مؤسس الواقعية الجديدة: «تسود سياسة توازن القوى عندما يتم استيفاء مطلبين اثنين فقط وهما: أن يكون النظام فوضوياً وأن يكون مشغولاً من قبل وحدات ترغب بالبقاء على قيد الحياة ويمكن للدول القيام بذلك من خلال التوازن الداخلي، حيث تستخدم الدولة جهودها الداخلية لزيادة قدراتها الاقتصادية ولتطوير استراتيجيات ذكية وزيادة القوة العسكرية، أو من خلال التوازن الخارجي، والذي يحدث عندما تتخذ الدولة تدابير خارجية لزيادة أمنها عن طريق تشكيل تحالفات مع دول أخرى».
ونشير هنا إلى أهمية التقارب العربي الاستراتيجي وليس التكتيكي والخطبي والمؤتمراتي في ظل مواجهة الأطماع الأجنبية، وليس للمنع بل للتقليل فقط من آثار الإضرار على المدى الطويل، وتعزيز العيش مقابل التعايش السلمي بين الأمم، وهي خطوات استباقية يفرضها واقع أجندات التقسيم والاحتلال والقهر المخطط لهذه المنطقة من الداخل والخارج.
ومن المهم أيضاً إقرار نهج جماعي لتحالفات تعزيزية وقائية استراتيجية، وأخرى تخدم أهداف أيديولوجية رقمية وقومية منفعية، سواء كانت المصلحة دفاعية أو اقتصادية أو مصلحة النظام الدولي أو المصلحة العقائدية وغيرها من المصالح التي تعتبر شريان بقاء لها. فالمقياس الحقيقي لدرجة أهمية المصلحة هو وجود تهديد فوري بضرر مادي شامل، بوساطة دولة ما، وضد دولة أخرى بعد أن تحلل الدول الموضوعات الحيوية كالموارد الغذائية والمائية والطاقة وسلامة السكان والسيادة الوطنية بالنسبة لها والموضوعات الرئيسة كالأوضاع السياسية والاقتصادية وأحداث واتجاهات الساحة الدولية. وهناك الموضوعات الهامشية، ومنها مثلاً، ألا تتأثر رفاهية الدولة سلبياً بأحداث خارج حدودها، ومصالح المؤسسات الكبرى متعددة الجنسية، وهي كلها ضمن دائرة مصالح متشابكة للعالم العربي ككل.