يعاني 5 في المئة من سكان العالم، أي 466 مليون شخص، من إعاقة سمعية، 432 مليوناً منهم من البالغين، و34 مليوناً من الأطفال، مع التوقع أن يزداد عدد المعاقين سمعياً ليبلغ 900 مليون شخص؛ أي واحد من كل عشرة أشخاص، مع حلول عام 2050. هذه هي كانت الحقيقة الأساسية في اليوم العالمي للسمع (World Hearing Day)، والذي يحل كل عام في الثالث من شهر مارس، وينظم فعالياته وحملات التوعية المصاحبة له، مكتب الوقاية من العمى ومن الصمم التابع لمنظمة الصحة العالمية.
وتتنوع وتتعدد أسباب ضعف وفقدان السمع، وإنْ كانت تقسم إلى قسمين رئيسيين: أسباب وراثية وخِلقِيّة تقع أثناء الحمل والولادة، وأسباب مكتسبة أثناء المراحل اللاحقة من الحياة. ويندرج تحت الأسباب الوراثية والخِلقِيّة: تعرض الأم أثناء الحمل للعدوى بفيروس الحصبة الألمانية وأنواع أخرى من الميكروبات، وانخفاض الوزن عند الولادة، ونقص الأوكسجين أثناء الولادة المتعسرة، والاستخدام الخاطئ لبعض الأدوية والعقاقير أثناء الحمل، وإصابة المولود الجديد بالصفراء الشديدة، والتي قد تتسبب تلف عصب السمع.
أما على صعيد الأسباب المكتسبة، فيندرج تحت هذا القسم: بعض الأمراض المعدية، مثل التهاب السحايا أو الأغشية المغلفة للمخ، والحصبة، والنكاف، بالإضافة إلى العدوى المزمنة في الأذن الوسطى، وتجمع السوائل في الأذن. كما قد يؤدي الاستخدام الخاطئ لبعض الأدوية والعقاقير في مرحلة الطفولة، أو التعرض الدماغ أو الأذن لإصابات شديدة، إلى ضعف وفقدان السمع. ومؤخراً تزايدت حالات فقدان السمع بسبب تكرار التعرض المفرط للأصوات المرتفعة، كما هو الحال مع أجهزة الموسيقا الشخصية، أو لفترات طويلة أثناء حضور حفلات الموسيقا الصاخبة، وبعض الفعاليات الرياضية.
هذا السبب الأخير، دفع بمنظمة الصحة العالمية إلى إصدار بيان عام 2015، حذرت فيه من أن 43 مليوناً من المراهقين والشباب صغار السن، مصابون بالفعل حالياً بضعف أو فقدان السمع التام، هذا بالإضافة إلى 1.1 مليار آخرين، معرضون لفقدان السمع، نتيجة الاستخدام غير السليم أو الآمن لأجهزة الموسيقا الشخصية، بالإضافة إلى التعرض لمستويات ضارة من الصوت المرتفع جداً. وهو ما اعتبر حينها أمراً غير عادي، حيث نادراً ما تصدر المنظمة الدولية بيانات تتعلق بالموسيقا وبحفلات الترفيه الصاخبة، وهي المنظمة المعنية غالباً بالقضايا الصحية الدولية الخطيرة.
ويأتي هذا الاهتمام من حقيقة أن ضعف السمع يحمل في طياته عواقب مستقبلية وخيمة، على الصحة الجسدية، والصحة العقلية، وعلى المستقبل التعليمي والوظيفي. وهو ما يتضح من كون الأطفال المصابين بضعف أو فقدان السمع في العديد من الدول، نادراً ما يتلقون تعليماً مناسباً، أو حتى أولياً، ولذا ترتفع نسبة البطالة بينهم كأشخاص بالغين. وحتى من يجد منهم وظيفة، فغالباً ما تكون من الوظائف الدنيا، منخفضة الدخل. ومما يضاعف من وقع وفداحة هذه المأساة، احتلال ضعف أو فقدان حاسة السمع رأس قائمة الإعاقات التي تصيب الحواس الخمس على صعيد حجم ومدى الانتشار. ومما يزيد الطين بلة، حقيقة أنه على الرغم من أن عدداً كبيراً من الأشخاص المصابين بضعف السمع، يمكنهم الاستفادة من سماعات الأذن وبقية وسائل المساعدة السمعية، نجد أن الإنتاج العالمي الحالي لا يبلغ 10 في المئة من حجم الطلب.
وأخيراً، وبالنظر إلى أن نسبة ضعف وفقدان السمع تبلغ 5 في المئة من أفراد المجتمعات -جزء لا يستهان به منهم من الأطفال- تؤدي هذه الإعاقة الحسية إلى ضعف وانخفاض إنتاجية جزء كبير من القوى العاملة المستقبلية، مما يؤثر سلباً على قدرة المجتمع ككل على التطور الاقتصادي والاجتماعي، وعلى تحقيق الرفاهية لجميع أفراده.
*كاتب متخصص في الشؤون العلمية والطبية