كنت في مؤتمر يحاضر فيه «بلير» رئيس وزراء بريطانيا الأسبق، في العام 2016 الذي أعلنت فيه إنجلترا الخروج من الاتحاد الأوروبي عبر استفتاء شعبي حاز الخروج.51.89%، من الناحية السياسية ليست كبيرة ولكن هكذا حكم الديمقراطية. وفي قاعة استراحة الضيوف لاحظت عندما أراد أحد المسؤولين في الاتحاد الأوروبي مصافحة «بلير» تردد قليلاً وقال له: هل لي أن أصافحك بعد استفتاء بريكست؟!
لكنه بعد برهة من الزمن صافحه وهما يضحكان، لقد كانت لحظة فراق تاريخية تمس الاتحاد الأوروبي في الصميم، لأن بريطانيا ليست مثل أي دولة في العالم ولو قورنت بأميركا فهي أبو الدهاء السياسي بلا منافس.
وفي لقاء آخر مع السفير البريطاني بالدولة، بمناسبة اليوم الوطني، استهل السفير حديثه حول هذا التحول الديمقراطي في النهج البريطاني بالخروج من الاتحاد الأوروبي وبإرادة شعبية، فإن بريطانيا لا زالت عظيمة وأدلة عظمتها ظاهرة أمامكم، هذه سيارة «البنتلي» في ساحة السفارة تشهد لنا، جسر الشيخ زايد معلم بارز للمعمارية البريطانية زهاء حديد، وقد عَددَ الكثير من المشاريع التي تعلي من كعب بريطانيا في العالم من بعد «بريكست».
ومن أولى ضحايا «بريكست» كانت رئيسة وزراء بريطانيا تريزا ماي، التي قدمت استقالتها، وهي تهدر دموعها اعتذاراً من عدم قدرتها على وقف «بريكست» عند حده.
بعد «بريكست»، هناك اشتراطات جديدة لمنح مواطني الاتحاد الأوروبي تأشيرة الدخول إلى بريطانيا، فكل مواطن أوروبي بحاجة إلى تأشيرة منفردة ليرى بريطانيا مجددا ابتداءً من العام 2021.
وهذا الأمر يتطلب قيام بوريس جونسون بإعادة تشكيل حكومته وتعيين فريق يأمل أن ينفذ رؤيته لمرحلة ما بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ويحل الانقسامات سواء داخل حزب «المحافظين»، أو في الدولة ككل.
لقد بدأ بعض المسؤولين البريطانيين يعبرون عن موقفهم بكل صراحة ووضوح في تأييدهم لبريكست على طول الخط وفي هذا الصدد ذكر «جوناثان باول»، رئيس هيئة الأركان لرئيس الوزراء السابق توني بلير: «لقد انسحبنا من أجزاء وقِطع، لذلك لم نكن على قمة الطاولة. إذا كنت نصف شريك فلا فائدة من أن تكون شريكاً على الإطلاق»
يبدو أن بريطانيا لم تترسخ لديها القناعات للاستمرار في عضوية الاتحاد الأوروبي وخاصة وأن القائد الفعلي للاتحاد هو ألمانيا.
ومع ذلك فإن المسؤولين في الاتحاد الأوروبي مطمئنين على مسيرة الاتحاد، فهذا دوجلاس ويبر يصرح بأن «بريكست» لن يفكّك الاتحاد الأوروبي.
لن نستطيع العروج على كل التغييرات التي ستقع جراء بريكست، ولكن سنشير إلى أهمها من خلال تقرير نشرته «BBC» عن أبرز الأشياء التي ستتغير بعد «بريكست» ومنها: فقدان الأعضاء البريطانيين في البرلمان الأوروبي مقاعدهم، وضرورة توجيه الاتحاد دعوة لجونسون إذا رغب في حضور قمم الاتحاد الأوروبي، وتغيير لون جواز السفر البريطاني، وإجراء بريطانيا محادثات مع كافة الدول حول وضع قواعد جديدة للتجارة، وإغلاق إدارة شؤون «بريكست» وأخيراً، فإن الألمان الذين سيفرون إلى بلادهم بعد ارتكاب جرائم في المملكة المتحدة لن يُسلموا إليها، لأن الدستور الألماني لا يسمح بتسليم المواطنين الألمان إلا لدول الاتحاد الأوروبي.
ليس هناك خطوة سياسية بلا ثمن أو كلفة اقتصادية، ففي الانسحاب من الاتحاد الأوروبي تكاليف باهظة أيضا.
فمن المحتمل أن تبلغ كلفة بريكست الاقتصادية أكثر من 200 مليار جنيه استرليني من معدل النمو الاقتصادي بحلول نهاية 2020، أي ما يقارب مجموع مدفوعاتها إلى ميزانية الاتحاد الأوروبي على مدى السنوات الـ 47 الماضية.
يبدو أن هذه قيمة اشتراكات عضوية الاتحاد الأوروبي، أي بمعدل سنوي يقارب 4.25 مليار جنيه أسترالي، وهو ما قد يعتبر وفرا للسنوات السمان لما بعد عهد استمر قرابة نصف قرن لم تشعر فيها بريطانيا بالراحة السياسية.