حين نمر بمنحنى كبير في رحلتنا عبر التاريخ والحياة، فلا بد أن نتوقف قليلاً، وننظر لتلك الرحلة التي تخطينا فيها هذا المنحنى، وكيف أمكن لقائد الرحلة أن يتخطى هذا المنحنى بكل دقة وصبر وهدوء واحترافية، حتى نعود للطريق من جديد، ونحمل ميراث خبرة تجربة ذلك المنحنى.
ونحن والعالم كله الآن، نتخطى واحداً من المنحنيات الخطرة، وهو منحنى فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)، الذي يكاد أن يتسبب في حَجر صحي للعالم كله.
مع اقترابنا من المنحى، كان تساؤل كل إماراتي ومقيم في الإمارات: ماذا سنفعل في مواجهة الأمر؟ وانتظرنا بقلق وحذر، ولكن بثقة في قادة رحلتنا لندخل المنحنى الخطر ونمر منه بكل هدوء وسلاسة، رغم أننا ما زلنا في منتصفه، لكن الحكومة الإماراتية كانت عند الموعد، وبحجم الثقة في تعاملها مع الأزمة، نتيجة التخطيط الواعي لمواجهة الأزمات والكوارث، والتي تحرص عليها الدولة، ومن خلال آليات وإجراءات متتابعة، تحرص أولاً على سلامة الإنسان، وكان من أهم تلك الآليات آلية التعلم عن بعد، والتي تم تنفيذها في زمن قياسي حقيقي، نتيجة لإعداد مسبق ومحكم للتعامل مع الأزمات والكوارث، كما ذكرت سابقاً.
وهنا كانت تجربتي الشخصية مع التعلم عند بعد، والتي توقفت عندها، حين تقرر أن نقدم محاضراتنا للطلاب من خلال شبكة الإنترنت، كنت متحمسة لتلك التجربة المعرفية الجديدة.. فكل تجربة تولد شغفاً يدفعني إلى تعلم شيء جديد.. وبدأت التجربة مع طالباتي في كلية التقنية العليا للطالبات في العين، بالإعداد لها مدفوعة بالكثير من التساؤلات لخوض التجربة، فكيف سيكون التفاعل بيني وبين الطالبات؟ وكيف يمكن التأثير على الطالبات من دون المؤثر الهام بين المعلم والطالب وهو التواصل البصري، والذي يمثل طبقاً لدراسة العالم الأميركي «ألبرت مهرابيان» في جامعة كاليفورنيا، نسبة 55% من عناصر التواصل الثلاث، وهم اللفظي والصوتي والبصري؟ وظل هاجس كيف يمكن أن أعوض ذلك النقص الشديد في عناصر التواصل، التي أعتمد عليها في تقديم المعرفة للطالبات خلال المحاضرات؟
وعندما بدأت التجربة الفعلية مع الطالبات، وجدت جميع الطالبات حاضرات، وشعرت بهن يحملن التطلع في إنجاح تلك التجربة، وكانت المحاضرة عن السياسة الخارجية للإمارات، وقلت لهن: (إننا أمام تجربة لم نمر بها من قبل، ولا بد أن تتكاتف كل الجهود لإنجاح هذه التجربة، وهذه التجربة ليست التعلم عن بعد، لكن عن حدث طارئ نمر به كمجتمع وقيادة والعالم كله) كانت استجابتهن إيجابية ومشجعة، وبدأت تتلاشى تلك المخاوف، واستعدادهن لمساعدة زميلاتهن في أي شيء ممكن أن يعيق الاستماع أو المشاركة في المحاضرة، وكانت روح العمل الجماعي لإنجاح هذه التجربة والثبات والتكاتف مع الدولة في مواجهة الظروف الطارئة واضحة وقوية بين الطالبات، وعادةً في المحاضرة عند الانتهاء، هناك تمرين أقوم به مع الطالبات، وهو رسم خريطة الإمارات منذ أن بدأنا الكورس، على أن نقوم بعرض الخريطة لكل طالبة في معرض، لمعرفة أفضل تطور في رسم الخريطة للإمارات، فسألتني إحدى الطالبات (اليوم ألم نرسم الخريطة كما تعودنا)، فقدرت ذلك الحرص من الطالبات على العمل المعرفي، وشعورهن بالانتماء والمسؤولية تجاه دورهن المهم في بناء معارفهن، والتعلم من أجل تحقيق طموحاتهن الشخصية وطموحات وطنهن فيهن، وشعرت بروح مختلفة، روح يسودها الإصرار على مساندة القيادة في تخطي هذا المنحنى الذي نمر به، روح تمتلك الإصرار والعزيمة والانتماء وحب الوطن والولاء له.
يُقاس الإنسان بحبه لوطنه وولائه له بسلوكه أثناء الأزمات كما نحن فيه اليوم، فنحن أمام حادث طارئ، فلا بد من أن نتكاتف لنخرج بهذه التجربة، ونحن النموذج أمام العالم في الاستعداد والتعامل مع الأزمات والكوارث الطارئة.
نحن أمام تجربة واقعية، قرأنا عنها نظرياً وتاريخياً، ولكن اليوم نحن أمام الحدث الحقيقي، وهنا دورنا جميعاً في مجتمع الإمارات مواطنين ومقيمين، للقيام بدور يُكتب في التاريخ بنجاحه، من خلال الالتزام والمصداقية والعمل والتعاون للخروج بأفضل النتائج، لنكون على الطريق الصحيح نحو تحقيق الريادة العالمية، التي نعمل من أجل تحقيقها بكل تفانٍ، في تناغم كبير بين القيادة والمجتمع.