لبت الإمارات استغاثة مئات الطلبة العرب الذين علقوا في مقاطعة (ووهان) الصينية، الأسبوع الماضي، تحديداً يوم الثلاثاء، وسارعت إلى إجلائهم جواً، بعدما تقطّعت بهم السبل، مما فاقم من حالة اليأس لديهم، والقلق لدى أسرهم، فكانت الإمارات هي المُنقذ من هذه المحنة التي وجدوا أنفسهم فيها، وقد باتت اليوم تعمُّ العالم بلا استثناء. والسؤال الذي يتردد: وهل ثمة غير الإمارات في هذا الزمن الفائض بآلامه، من يمكن لإنسان أن يحسبه، مُنقذاً، فيسأله العون والمساندة؟ صعب الاستثناء. وما أضفى على هذا المشهد البليغ في إنسانيته وحضاريّته، أبوّة رحيمةً، صادقةً، تلك الرسالة الرقيقة، المُفعمة بالحب وجلال المكان، التي وجدها الطلبة على أسرّتهم في مدينة أبوظبي الإنسانية. هنا إحداها موجهةً إلى الطالبة اليمنية إيمان العواضي:
(أبني/أبنتي إيمان..
نُدرك صعوبة مغادرة مكاناً كان لك داراً آمنةً، خاصةً وأنك تغادره بسبب أزمة غير متوقعة إلى أرض جديدة قد لا تعرف فيها أحد، ولهذا أحببنا أن نرحب بك في الإمارات. نريدك أن تطمئن بأنك بين أهلك وأصدقائك، وأنك ضيفاً عزيزاً مكرّماً، وسنوفّر لك الرعاية الصحية الكاملة، وكل ما يلزمك لمتابعة الرحلة إلى وطنك، متى كان ذلك آمناً لك. محمد بن زايد آل نهيان).
وعند تأمل الرسالة تقرأ الكثير وتستكشف ما يتعدّى ظاهر الكلام ليعيدك إلى بدايات التأسيس ومسيرة الأب المؤسس، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، لتقف على نهج التكامل وعمق التطابق ما بين قيم اليوم وصِلتها بقيم الأمس في ما سميّ لاحقاً (القوة الناعمة) لدولة الإمارات، التي تعد اليوم وفقاً لكافة المقاييس المعتمدة في العالم المعاصر، قوة إقليمية عظمى في مجال القوة الناعمة، التي جرى العمل عليها عبر عقود في مسيرتها، سواء لفاعليتها أو لجهة الجغرافيا البشرية التي استطاعت الوصول إليها، ووسعتها يوماً بعد آخر، وموقفاً تلو الموقف. هذه حقيقة لا يختلف عليها اثنان سويّان. فإن أراد المرء أن يكون أميناً في قراءته لتاريخ الإمارات، سيكتشف أن ما يحدث اليوم من أدوار مبهرة تقوم بها القيادة الشابة والرشيدة تجاه مختلف القضايا، وفي المجالات الإنسانية، له صلة وثيقة بتاريخ بدايات تأسيس الدولة، فالقوة الناعمة الإماراتية ليست وليدة اليوم: في العام 1975م يرصد الشيخ زايد، طيب الله ثراه، مبلغ 900 مليون دولار باسم الإمارات العربية المتحدة للبنك العربي الأفريقي، وبعدها بعام واحد 1976م أخذت الإمارات دوراً رئيسياً في إنشاء صندوق أوبك الخاص بمبلغ 200 مليون دولار، ليتمكن من تقديم 111 قرضاً بلغ مجموعها 440 مليون دولار، واستفاد منها 64 دولة في السنتين الأوليين من الإنشاء (= كتاب زايد.. رجل بنى أمة). ولك أن تتصور هذه المبالغ الكبيرة في تلك الفترة الزمنية، حين كانت مداخيل الدولة تختلف عما هي عليه اليوم.
القوة الناعمة للإمارات أسبابها معروفة، من بينها الريادة الفكرية والعلمية والتقنية، إضافة إلى الجاذبية الاجتماعية والقوة الاقتصادية والشرعية السياسية، هذه كلها جعلت الإمارات مؤهلة للقيام بدور فعّال في حل وإدارة النزاعات والصراعات والأزمات الإقليمية، ولأنها من أكبر المانحين العالمين للمساعدات، أضفى على أفعالها وسلوكها الخارجي شرعية كونها منحازة لحق الشعوب، فصفتها بين دول العالم هي أنها (دولة خيّرية وقائدة)، مما ساعدها على تحقيق مصالحها والدفاع عنها. وبهاء الدولة يكمن في إنها (الروح الإماراتية الجديدة) كما عرّفها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان. فما أحوج العالم إلى هذه الروح.