ليس مارس (آذار) كبقية شهور السنة، فيه تتنفس الأرض وتبدأ البراعم بالإزهار، ليس مارس كبقية الشهور فالثامن منه مخصص للمرأة كي يحتفي العالم بها، والحادي والعشرين منه مكرّس للأم كي نستعيد صور أفضالها علينا، صحيح أن تكريم المرأة عموماً وفي كافة أدوارها الحياتية يجب ألا يكون مرتبطاً بيوم محدد، لكن ما المانع أن يصبح لها يومها، وهي التي كانت وما تزال الإنسان المعطاء بلا حدود، وصاحبة القلب الكبير الحاني بلا رياء.
مثلما لا يمكنني اختصار مشاعر محبتي وامتناني للمرأة أماً وشقيقة وزوجة وابنة، كذلك لا يمكنني تجاهل أهمية وجودها في حياتي وأنا الشاعر الذي أسخّر الكلمة كي أبني لها أرقى الصور وأبهاها، وهي الكائن الذي أعتبره نعمة كبيرة في حياتي، ولست مبالغاً إن قلت إنها تهب كل ما في قلبها من رحمة ومحبة ومودة لأنها مفطورة على ذلك، وبالتالي فإن تكريمها وتوقيرها والبرّ بها – وهو ما دعت إليه جميع الأديان- إنما هو جزء من رد الجميل إليها، وبالتالي من المهم أن تأخذ حقوقها من دون منّة، وتحظى باحترامها من دون استكبار.
لن أكتب بدايةً عما تحقق للمرأة عموماً من مكتسبات مشروعة لها، إنما سأكتب عن بعض الرجال الذين يدعون أنهم أنصفوا المرأة متكئين بذلك على الدساتير والقوانين التي أعطتها كل أو بعض حقوقها، ومعتبرين أنها حصلت على ما لم تكن تحلم به، وهم ذاتهم الذين يقهرونها ويعنّفونها فقط لأنها امرأة، متجاهلين أن الله خلق البشر متساوين، وأن أفضل الناس عنده بما يؤدون ويفيدون به مجتمعاتهم.
من المؤسف ونحن في القرن الواحد والعشرين أن تكون أرقام هيئة الأمم المتحدة للمرأة مرتفعة بشأن ما تتعرض له على مستوى العالم من عنف. فالأرقام تقول إن ثلث نساء العالم يتعرضن إلى عنف أسري أو جنسي، وترتفع النسبة قليلاً في العالم العربي لتصل إلى 37%، وفي دول أخرى ترتفع إلى 70%، والنسب المرتفعة تنطبق أيضاً على قضايا الزواج المبكر والمبكر جداً والختان، وكذلك الأمر بالنسبة للجرائم المرتكبة ضد المرأة -من ذوي القربى-إذ يندرج أكثر من 70% منها ضمن خانة «جرائم الشرف»، تلك الأرقام رسمية، وهي تبرز جانباً من الحقيقة المرة، أما الجانب الآخر فهو ما يزال في العتمة حبيس الصدور والبيوت، وبالتالي ستكون الإحصائيات مرعبة ومعيبة بحق إذا ما كُشف عنها.
أمهات الكتب والمراجع تركت لنا إرثاً رائعاً حينما خلّدت أسماء من كن في موقع الصدارة في مختلف المجالات، ومن يقرأ التاريخ الإسلامي والعربي في أبهى صوره سيجد أسماء حاكمات وعالمات وتاجرات، ومبدعات في علوم الدين والطب والرياضيات والفلك والهندسة والموسيقى والتأليف وفي تمكين المجتمعات.
أليس علينا أن نفخر بأبرز تاجرة في الإسلام هي خديجة بنت خويلد، وبأروى الصليحي أول ملكة في الإسلام وفي عهدها -الذي دام 50 عاماً-نهضت اليمن بمشاريع تنموية، وبمريم الأسطرلابي التي كانت لها شهرتها واختراعاتها في علوم الفلك، وبفاطمة الفهرية مؤسسة أول جامعة في العالم، وبزبيدة بنت جعفر المنصور التي أصلحت وجهزت طريق الحج من الكوفة إلى مكة بالبرك والآبار والمنازل وصهاريج المياه؟ أليس هذا دليلاً على أن المرأة بارعة ومعطاء من أي جنسية كانت وإلى أي بلد تنتمي.
كنت أتمنى كغيري أن تحظى المرأة في كل دول العالم بما تحظى به المرأة في الإمارات من فرص تعليم وتمكين ومساواة مع الرجل في تصدّر المناصب القيادية في مجلس الوزراء الذي وصلت نسبتها فيه إلى الثلث، والمجلس الوطني الاتحادي الذي تستحوذ فيه على نصف المقاعد، والحقل الدبلوماسي، وفي منحها كذلك كامل الفرصة لتكون ركناً مهماً في دورة الاقتصاد بعد أن زادت استثماراتها عن 60 مليار درهم، هذا عدا عن الوظائف الحكومية والخاصة التي شغلتها، وبالتأكيد الدستور ثم القانون كفل لها كل ما سبق.
ولا شك أن دور سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك، رئيسة الاتحاد النسائي العام، رئيسة المجلس الأعلى للأمومة والطفولة، الرئيس الأعلى لمؤسسة التنمية الأسرية، في ذلك مهم وجلي، فهي صاحبة بصمة مؤثرة في مسيرة المرأة الإماراتية لقناعتها بأن المرأة هي نصف المجتمع في طاقته وإمكاناته وتطوره. لقد خبرت فلسفة سموها عن قرب خلال عملي مع الأب المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، وعملي في مؤسسة التنمية الأسرية تحت رئاسة سموها، وهي الحريصة على أن تتصدر المرأة مواقع ريادية في مختلف التخصصات، كما تدفع كثيراً بهذا الاتجاه من خلال المؤسسات التي ترأسها.
ما تحققه المرأة عبر أدوارها المجتمعية كأم ومربية وقيادية وموظفة وصاحبة عمل مهم للغاية، ودرس كبير لأولئك الذين ما تزال أبصارهم وبصائرهم قاصرة عن رؤية ومعرفة جوهر المرأة الحرة التي تجتهد في حياتها، وتتحدى الصعاب، وتعمل لصالح أسرتها ومجتمعها وبلدها والعالم أجمع. وإذا قال البعض إن المرأة جوهرة، فأنا أقول إنها أعظم وأهم من كل جواهر الأرض.