عندما تعلن منظمة الصحة العالمية أن كورنا المستجد أو «كوفيد-19»، أصبح جائحة عالمية ويكتب في معظم وسائل الإعلام المقروء ويذاع في معظم القنوات الإعلامية المرئية ويستخدم في جميع المرسلات الحكومية الرسمية في الكثير من الدول العربي مصطلح وباء أو باء عالمي بدلاً من جائحة، فلابد أن نقف عندها لحظة مع أنفسنا لنراجع المغالطات وجيوش خلط المفاهيم في عالمنا العربي وتبسيط الأمور بإضافة كلمة أو حذف أخرى، وكأن لغتنا العربية فقيرة في وضع المصطلحات الصحيحة، وكيف لهذه الأمور أن تنعكس في طبيعة الخطط الموضوعة، والتي يتم تفعيلها الآن لمواجهة الجائحة في ظل قلة المتخصصين في هذا الحقل الحيوي المؤثر تأثيرًا مباشر في حياة الناس وصحتهم العامة واستقرار ونماء الدول حيث تعرف منظمة الصحة العالمية الوباء بأنه «انتشار مرض بشكل سريع في مكان محدد»، أما (الجائحة) فمعناه «انتشار الوباء بشكل سريع حول العالم»، ولهذا أغلقت بعض الدول حدودها ومنافذها، وأخرى أوقفت الرحلات الجوية القادمة من دول أو قارة بأكملها.
ومن جهة أخرى، فإن الحكومات التي تتخذ إجراءات تتسم بالغلو عطفاً على إجراءات باقي دول العالم، وتضع نفسها مكان لوم وانتقاد من المجتمع الدولي، هل تعتقد بـأنها تغامر بسمعتها ومكانتها الدولية، دون أن تحسب النتائج والتداعيات لقرارتها؟ وتبقى التساؤلات المهمة، مؤداها: هل تتخذ تلك الدول وخاصة المتقدمة منها قراراتها جزافاً وليس استناداً لرأي اللجان المتخصصة العليا لديها؟ وهل تقوم تغليب الرأي الفني على الرأي السياسي والكياسة الدبلوماسية وتأخذ تخوفات المجتمع الفني مأخذ الجد لمنع انتشار الجائحة في أراضيها ومنع خروجها عن السيطرة؟ بالتأكيد تربط الحكومات كل ذلك بموقعها ومواردها وتفاعلاها مع العالم الخارجي، وبسرعة انتشار الجائحة بين السكان وطريقة الانتشار والتوزيع والكثافة السكانية ومعدل الإعمار والجنس وحجم تفشي الأمراض المعدية والمزمنة في الدولة والإمكانيات والمقدرات الحالية.
كما تربط الحكومات مواقفها بمدى سرعة توقع الوصول للقاح والعلاج، وطريقة عيش الشعب، وطبيعة السفر من وإلى تلك الدولة، والجنسيات التي تقدم إليها، ومستويات الفقر والبطالة ومدى انشغال القطاع الطبي والمخزون الطبي والغذائي، واحتمالية حدوث كوارث طبيعية وآليات ومرافق الحجر والعزل المتوفرة، ومدى جودة وسرعة إجراءات الفحص واكتشاف المصابين في المنافذ، وحجم التغطية وطبيعة حدودها والخوف من المتسللين، وإجراءات مركزية موحدة تغطي جميع أراضيها، ومراجعة الصورة الكلية لسنوات طويلة قادمة، وليس التحدي الراهن فقط، إضافة إلى دور تقييم محترفي المخاطر في تلك المنظومة وتوصياتهم والخيارات البديلة التي يطرحونها لدعم القرار.
فالفيروس يضرب شمالاً ويميناً، ولا يفرق بين رئيس أو أصغر موظف. وكمجتمع دولي لم نصل بعد إلى فهم السبب الأساسي لتلك الجائحة، وكيف سيكون عليه الوضع في المستقبل القريب والبعيد،. وبالرغم من التقدم المذهل في مجال التكنولوجيا الإحيائية يجب عدم الغرق في وهم بأن لدينا سيطرة بيولوجية كاملة على مصيرنا الجماعي، حيث يمكننا الآن التلاعب في الجهاز المناعي لمكافحة الأمراض، وتطوير علاجات وتشخيصات أكثر فعالية وبسرعة كاللقاحات والحمض النووي الريبي لبرمجة خلايانا الخاصة لتقديم البروتينات التي تنبه الجهاز المناعي إلى تطوير أجسام مضادة ضد مرض ما، مما يحول أجسامنا إلى مصانع لقاحات، ونتساءل متى سيستشرف الوطن العربي آفاق التقدم في مجال الطب الحيوي، وتفعيل المزيد من البحوث في مجال التصدي للجائحات؟ هي حرب قادمة شرسة لن يكون فيها ذخيرة كافية لتوزيعها على كافة البشرية. وهي مسألة وقت فقط قبل أن نواجه مرضاً قادراً على إزهاق أرواح أكثر بكثير من أسوأ حروبنا البشرية، فهل نحن أذكياء بما فيه الكفاية لتجنب هذا المصير؟
*كاتب وباحث إماراتي في شؤون التعايش السلمي وحوار الثقافات.