انتشار عدوى «كوفيد 19» على نحو مريع، وضع العالم أمام تحدي النجاة أولاً، والانهماك في تمرينات يومية لمقاومة العدو الجديد، ثم اختبار مناعات أخرى، لتداعيات الفيروس. وفي الذاكرة دائماً أوبئة، أهلكت عشرات الملايين من البشر، أقربها الإنفلونزا الإسبانية عام 1918.

لم يرفع أحد سقف الآمال، بأن يؤول الفيروس إلى نهاية سريعة، فيما تنهمك كبريات الشركات الدوائية في محاولات تطوير لقاح سريع، بل إن رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، صدم مواطنيه بأن عليهم «توقع فقدان أحبائهم قبل الأوان»، خلال الشهور المقبلة، التي يواصل فيها الفيروس مزيداً من الانتشار، والفتك بأرواح الناس.

المؤكد، أن البشرية تستعد إلى معركة طويلة الأمد مع الفيروس المستجد، ربما لن تنتهي بإنتاج اللقاح العتيد، ولا بتراجع ذروة امتداده جغرافياً، وتكاثر ضحاياه. وفي الطريق، فإن على النظام الدولي، البحث عن لقاحات لأكثر من كارثة، تلوح في الأفق، أبرزها الانهيارات المتتالية في الاقتصاد العالمي، حيث تطل أشباح المجاعات والأمراض المعدية الأخرى، وما يتبع ذلك من اهتزازات عميقة في الأمن الاجتماعي للدول النامية، والمجتمعات الأشد فقراً، التي ستدفع أثمان الركود الاقتصادي أضعافاً مضاعفة.

العالم اليوم نهبٌ لكثير من الانفعال، المدفوع بالهلع. وقد كان لافتاً في الأيام الماضية، كيف خرج وزير الاقتصاد الألماني بيتر ألتماير عن الهدوء الأوروبي المعتاد، في رده على رغبة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالاستحواذ حصرياً على لقاح مضاد لفيروس كورونا، تطوره شركة «كيور فاك» الألمانية، مقابل مليار دولار.

استخدم الوزير تعبيراً، ينطوي على ما قد يبدو «شوفينية وطنية»، وهو يقول: «ألمانيا ليست للبيع»، وسانده في ذلك وزراء ألمان، ووسائل إعلام، كما قرأنا افتتاحيات لصحف عريقة في دول راسخة ديمقراطياً، تمتدح التشدد الأمني في التعامل مع العزل الصحي في دول عدة في آسيا، مع أن ذلك مسّ حقوقاً دستورية أصيلة لمواطنيها، في الأوضاع الاعتيادية.

توازياً مع ذلك، لم تكن مناعة الاقتصاد العالمي في أفضل أحوالها، فالولايات المتحدة في مواجهة توقعات بخسائر مباشرة، جراء التعامل مع تبعات كورونا، تصل إلى 1.7 تريليون دولار، والأمور ليست أفضل بالنسبة لأوروبا وآسيا، ولنا أن نتخيل تداعيات هذا المشهد الطويل على اقتصادات الدول الفقيرة، بمعزل عن الخسارات الأكثر فداحة في الأرواح، في حال عجزت الدول المانحة عن مد يد المساعدة، كما كان هو الحال في الظروف الاستثنائية الأخرى.

الآن، على العالم إيجاد حلول أكثر فاعلية للتعامل مع الأوبئة، وسرعة انتشارها، والتهيؤ أكثر فأكثر للتطورات الجينية المحتملة للفيروسات، إلى جانب بناء استراتيجيات لإبطاء تسارع الأمراض الشديدة العدوى، فقد كان صادماً للأميركيين، مثلاً، أن مناعة نظامهم الصحي الفيدرالي فقيرة، إلى حد عدم توفر الفحص للكشف عن فيروس كورونا، وهو ما يُتاح لمواطني دول كثيرة في العالم، تتلقى مساعدات من أموال دافعي الضرائب الأميركيين.


لكنّ كثيراً من اللقاحات المجازية يتحتم على العالم تطويرها، مع انهماك مختبرات الشركات الدوائية في ابتكار اللقاح الحقيقي والفعال لفيروس كورونا، أبرزها الحاجة إلى تكاتف دولي، لاحتواء الآثار السلبية المباشرة للوباء، خصوصاً على المجتمعات الأشد فقراً، ثم إنقاذ القطاعات المتضررة بشدة، كالسياحة، والطيران، وتجارة التجزئة، والأعمال الصغيرة والمتوسطة، وتخفيف حدة المخاوف من فقدان آلاف الوظائف، سعياً إلى عولمة، بمناعة إنسانية، أكثر عافية.

*كاتب وصحافي أردني