تُقلبُ «بشغف» ما تفضل من نوافذ مواقع التواصل الاجتماعي، تتبعثر أمامك النصوص والصور والمرئيات، منها المضحك وآخر محزن، منها المبهج ومنها ما يدعو للكآبة، تقلبات في العناوين والأخبار والأحداث وحتى حالات الطقس، فتجد ثلوجاً هناك، وشمساً ساطعة هنا، وتبدو محدقاً حيناً، وعابر سبيل عجولاً أحياناً، وكل ما ذكر سابقاً نزر من غزارة التنوع الواقع على بسيطة واحدة، ناهيك عن التنوع بين بني البشر أنفسهم، إلا أنه يعود مجملاً لأصل واحد. كما تقبع كل الظواهر الأخرى تحت سماء واحدة «بمعنى واحدة».
فكيف يكون الحال إذا ما كنا أكثر تحديداً بحديثنا عن «الإنسان»، والمجتمعات وبخاصة المجتمعات المسلمة منها، أي التي تمثل مجموعات بشرية، من سكان دولة ما مختلفة عن الأغلبية من حيث ما تحمل من أصول عرقية أو لغة أو دين، وتؤمن بالإسلام كدين، وتعيش داخل إقليم دولة غير إسلامية، ويعيشون تحت مظلتها. وتتوزع المجتمعات المسلمة، على امتداد خريطة العالم، وتتنوع البيئة المحيطة بها، وتختلف تحدياتها وتتفاوت حدتها، وليس بخفي على أحد ما تصارعه تلك المجتمعات من «غصّات»، العنصرية و الإسلاموفوبيا، وثقل تداعيات الأحداث الإرهابية، وموجات التطرف، وهشاشة في تأهيل القائمين على الشأن الديني أحياناً، وقلق على الهوية، يرافقه كله شغف اندماج وأمان، وتوق للتسامح والحوار مع الآخر والتعرف على مكنوناته.

وحتى تتمكن المجتمعات المسلمة، من تمزيق الصور المشوهة التي علقت بها زوراً، وتتخطى كل ما تواجه من عثرات، وتنفض غبار الصور النمطية السائدة، والقيم الخاطئة العالقة، لا بد من تكوين صورة جديدة تعكس واقع أقل ما يوصف به أنه «وحدة متحدة»، ثم تعميمها كواجبات وأساسات ناظمة لعلاقة المجتمعات المسلمة ببعضها، وبلدانها، وذلك من خلال الالتزام باحترام السلطات العامَّة لبلدانهم التي تحتضنهم على أراضيها، وتتقاسمهم هواءها، وعدم الإخلال بالواجبات المنوطة بهم باعتبارهم مواطنين أو مقيمين، فلهم حقوق وعليهم واجبات. كما عليها تكريس العمل الدؤوب للحفاظ على «الهوية الصالحة» القائمة على الوسطية والاعتدال والتعارف والتعايش السلمي وحسن الجوار. والمحترِمةِ للتنوع الديني الموجود تحت سقف الوطن.

إن على المجتمعات المسلمة اليوم وبما احتلت من مكانات رفيعة المستوى في المجالات العلمية والسياسية والثقافية والفنية والرياضية، واجب تقدمه للعالم، بأن تكون قدوة حسنة للغير وخير ممثل للدين الإسلامي، دون الجنوح لفرض قواعدهم وعقيدتهم الخاصة على أي شخص لا يريد أن يكون فرداً منها «لكم دينكم ولي دين». فالمجتمعات المسلمة صوت التعايش في وجه التطرف والغلو في الدين، وسد منيع يقف في وجه التحريض ضد الطوائف الدينية الأخرى، مانعةً الاعتداء عليهم بأي وجه من الوجوه. فلا تعدٍ على الأعراض ولا على الأموال، ولا عنف ولا تهديد.

وأن تكون هذه المجتمعات «وحدة متحدة» في الجوهر والمبادئ قبل الشعارات والخطابات، يعني ذلك إرساء قواعد العقد الاجتماعي في المجتمعات بمحبة قبل أن تكون بمثابة عقد تبادل حقوق وواجبات، وحينها تتبدد مطالبات الانفصال عن الدولة الأم، وتمزيق جسدها، بل ويؤول إلى السعي لفض المنازعات بينهم والآخر، من خلال إيجاد الوسائل السلمية على وجه لا يجعل السلم والأمن الوطنيين أو الدوليين عرضة للخطر.

وبذلك تكون المجتمعات المسلمة ذات صوت واحد يتبرأ من كل من أعطى لنفسه حق إصدار أحكام أو تطبيق مفاهيم أخرجها عن سياقاتها وعن مقاصد الإسلام لإلحاق الضرر بالآخرين، ويمثل كل منهم منارة للخير والأعمال التي تعكس جوهر الدين الإسلامي الحنيف، وترفع من نهضة بلدانهم، وتوثق من قيمة التعاون فيما بينهم، لتتجاوز العادات والتقاليد الموروثة التي تسيء للإسلام ولا تنتمي له بأي وجه من الوجوه.

وإيماناً بقدرة وإرادة الأيادي البيضاء في العالم، سيكون للمجتمعات المسلمة مستقبل تمد به أيديها لتعاون الآخر وتتعارف عليه، وتسعى للحوار معه، ووقتئذ نصبح قادرين على رؤية ثمار تلك الخطوات الممتدة الأثر على مدى سنوات وعقود، التي كرست لها الجهود والعقول والطاقات، نحن نسمع صوت البهجة والسلام القادم من قلب المجتمعات المسلمة، المطمئنة الآمنة المُصَدِرة للتسامح والوئام والمواطنة الكاملة.
*أمين عام المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة