هل يختلف الهلاك الذي يسببه «كورونا» في حال ما إذا كان تم تصنيعه في معامل مخابرات، أم كان ابن الطبيعة الغاضبة الساعية إلى توازن لا نعلمه أو عقاب أليم لبني البشر؟ وهل الفيروس يصيب المعارضين ويترك رجال السلطة في أي بلد على اختلاف النظم الحاكمة هنا وهناك؟ وهل هو ينتقي في المهاجمة والإصابة على أساس ديني أو مذهبي أو عرقي أو طبقي أو جهوي؟
إن الإجابة الواضحة واليقينية هي: لا، وتلك حقيقة لا مراء فيها، ولذا فإن كثيراً من الضجيج الذي يُثار الآن في أغلب أجهزة الإعلام، ويجري على ألسنة ساسة في الشرق والغرب وفي الشمال والجنوب، حول الفيروس، لا فائدة تُرجى منه، بينما كل الخير يأتي لو أن أهله استبدلوه بتوعية الناس ابتداء، ثم الدعوة بلا تردد إلى ضرورة تعاون كل الدول في مواجهة هذا التحدي، الذي صنفه كثيرون على أنه «حرب» ورفعوا شعار «نكون أو لا نكون»، وهو تصنيف وترتيب لا يمكن نكرانه أو إزاحته كلية، تحت أي زعم.
لقد رأينا مع تصاعد هجمات الفيروس سلوكاً مشيناً من دول وتنظيمات وجماعات، تكيد لبعضها بعضاً، وتفرط في النكاية والشماتة والتشفي، وكأن الأمر بعيد عنها، أو أنها متحللة من أي واجب أخلاقي حيال الآخرين. ورأينا من يسارع إلى تصفية حسابات وإثارة حنق شعوب على سلطات تحت طائلة اتهامها بالإهمال والتقصير، ورأينا دولاً ترمي غيرها بالتخلف والفوضى وعدم الاهتمام بمواطنيها، عطفاً على خلافات عميقة، كانت قائمة بينها، قبل انطلاق كورونا.
لا يوجد أشد بؤساً وقتامة من محاولة بعض الأميركيين تدمير صورة الصين بتسمية كورونا بـ«فيروس يوهان»، وهي المدينة الصينية المتقدمة في الصناعات الإبداعية التي ضربها الفيروس في بداية هجومه الوحشي، وجعل هذا كثيرين يشككون في أن الضربة هي«حرب بيولوجية» على الصين في ركاب الحرب التجارية المستعرة بينهما.
وقد أخذت الصين الأمر على هذا المحمل الجاد، فقاتلت لإنقاذ صورتها، والدفاع عن طريقتها في الإدارة والحكم، والبرهنة على أن المكانة التي تحوزها في العالم المعاصر لم تأت من فراغ، وأن نظامها الاجتماعي والسياسي هو الأنجع في التصدي لتحديات كبرى، مثل التي مثلها كورونا.
والأمر نفسه ينسحب على إيران التي نالت حظها من تسييس كورونا، عبر ربط تفشي الفيروس فيها بالعتمة التي يعيش فيها الإيرانيون، بسبب سيطرة السلطة تماماً على وسائل الإعلام، أو بقلة كفاءة رجال الحكم في إدارة الأزمة، أو عدم اعتنائهم، كمنتمين إلى مؤسسة سياسية ودينية مستبدة، بمصلحة الشعب الذي يقهر باستمرار. أما إيطاليا، فمع «كورونا» تم استدعاء الصور التقليدية أو النمطية عن مجتمع المافيا والفساد والتحلل.
وتستغل بعض الجماعات المتطرفة الفيروس في محاولة إثارة مشاعر الغضب ضد السلطة، مثلما تفعل جماعة «الإخوان» في دول عدة ضد الحكومة المصرية، وتسعى بشكل دائب إلى محاول إثبات أن مصر هي موطن الفيروس، أو أنه سيتحور على أرضها إلى نوع أشد خطورة. وجاء الرد من بعض وسائل الإعلام المصرية بوصف «الإخوان» بأنهم «فيروس أخطر من كورونا».
وعلى النقيض، رأته جماعات وتنظيمات أخرى فرصة لتحسين صورتها البشعة، مثل إعلان «داعش» إيقافها عملياتها الإرهابية حتى يضع كورونا أوزاره، وهو مجرد خداع، ومسألة أثارت سخرية من يعرفون الكثير عن تنظيم يؤمن بـ «إدارة التوحش».
إننا لا يمكن أن ننزع عن «كورونا» آثاره السياسية، أو دور السياسة في إدارة الأزمة العميقة التي خلفها، لكن هناك فرقاً بين هذا، وبين إقحام «الفيروس» في الصراع السياسي، وهو أمر سيؤثر سلباً على تعاون الدول في مواجهته، وهو أمر غاية في الخطورة، وإن تمادى الكل فيه، فإنهم يفتحون على العالم باب الجحيم.

*روائي ومفكر مصري