كان الرئيس دونالد ترامب في وضع انتخابي مريح تماماً حتى منتصف مارس الجاري، قبل أن يزداد الخوف من انتشار فيروس «كورونا» المستجد، وكان الاتجاه السائد في أوساط الخبراء والمحللين يفيد أن فرصة إعادة انتخابه هي الأكبر، استناداً إلى عوامل أهمها التحسن الملموس في النظام الاقتصادي، إذ ازدادت فرص العمل، ومن ثم انخفضت معدلات البطالة إلى أدنى حد منذ نحو ربع قرن، وارتفعت أجور العاملين خاصة ذوي الدخل المنخفض، وتوفرت وظائف لبعض من صُرف النظر عنهم من قبل، لاعتبارهم غير فاعلين في القوى العاملة، واستقرت التعاملات المالية والنقدية، وهذا فضلاً عن ارتفاع معدل النمو في ظل تنامي الإقبال على الاستثمار، نتيجة ازدياد الثقة في مستقبل الاقتصاد.
لكن الإجراءات الاحترازية التي اضطرت إدارة ترامب لاتخاذها، سعياً لوضع حد لانتشار الفيروس المرعب، تثير أسئلة عن مدى قدرة الوضع الاقتصادي الجيد على تحمل آثارها، والتي يصعب تقديرها الآن، وكيفية تعامل الناخبين المؤيدين لترامب مع أي تغير محتمل في الأوضاع التي تحسنت خلال رئاسته.
وقد بدأ بعض هذه الآثار في الظهور، وأصبح احتمال حدوث كساد وارداً، مما دفع بنك الاحتياطي الفيدرالي إلى ضخ 1.5 تريليون دولار في الأسواق لتعزيز السيولة، إلى جانب شراء سندات الخزانة وأوراق مالية أخرى من بنوك ومستثمرين، وإعادة بيعها بفائدة أقل.
ويؤدي عدم اليقين بشأن تأثير الإجراءات المتخذة لمحاصرة انتشار «كورونا»، إلى إرباك حسابات الانتخابات الرئاسية الأميركية المقررة في 3 نوفمبر المقبل، ومن الطبيعي أن ينعش هذا التطور، الذي لم يكن في الحسبان، آمال خصوم ترامب في الحزب الديمقراطي، ووسائل إعلام وقفت ضده منذ اليوم الأول، وقد شرع بعضهم في السعي إلى تسجيل نقاط ضد ترامب بشكل مبكر، عبر اتهام إدارته بالاستهانة بالفيروس لعدة أسابيع، مما أدى لانتشاره، والتأخر في اتخاذ الإجراءات التي كان يمكن أن تقلل هذا الانتشار.
ورغم أن الحزم الذي أبداه ترامب، وشمل إعلان حالة طوارئ قومية «في كل الولايات»، في 13 مارس الجاري، ساهم في الحد من حالة الهلع التي اجتاحت قطاعاً واسعاً من المجتمع الأميركي، فهو يواجه الاختبار الأكبر على الإطلاق منذ دخوله البيت الأبيض في 20 يناير 2017، وأصبح عليه أن يثبت قدرته على مواجهة أزمة لم يتعرض رئيس أميركي قرب نهاية ولايته الأولى لمثلها، ربما منذ أن وجد الرئيس الأسبق جيمي كارتر نفسه في قلب عاصفة أزمة الرهائن الأميركيين في إيران عام 1979.
لكن، هل يستطيع خصوم ترامب استغلال هذه الأزمة فعلاً، لا سيما في حالة حدوث تراجع اقتصادي؟ يتوقف الجواب على أداء المرشح «الديمقراطي» في الحملة الانتخابية النهائية في مواجهة ترامب، وإذ صار مرجحاً أن جو بايدن سيكون هو هذا المرشح، يُثار السؤال مجدداً عما إذا كان هو الأقدر على منافسة ترامب.
وكان هذا السؤال مطروحاً منذ بداية السباق التمهيدي داخل الحزب الديمقراطي، خاصة بعد أن صارت بطاقة الترشح محصورة بينه وبين بيرني ساندرز.
فقد تبارى أنصار كل منهما في توضيح أفضليته في مواجهة ترامب، وجادل مؤيدو بايدن بأن برنامج ساندرز الذي يتضمن توجهات اشتراكية غير معهودة في الولايات المتحدة، ما زال مخيفاً لمعظم الأميركيين، وبأن ترشحه سيُسهل مهمة ترامب، وجادل أنصار ساندرز بأنه يتعذر أن تراهن على مرشح لا يختلف عن ترامب، إلا في كونه أكثر اعتدالاً في خطاباته وتصريحاته، فيما الفرق بين مواقفهما وتوجهاتهما طفيف، إلى حد يدفع قطاعاً من الناخبين لتفضيل الأصل على الصورة، خاصة حين تكون الصورة باهتة.
غير أن ما يغفله الطرفان أن مرشحيهما المفضلين يختلفان في كل شيء، لكن يجمعهما عيب جوهري قد يكون أثره كبيراً، وهو افتقادهما الجاذبية الشعبية، والقدرة على إلهاب حماس الناخبين، لأن أياً منهما لا يُعد شخصية كاريزماتية بخلاف ترامب، وإذا كان هذا هو حال بايدن، الذي أصبحت فرصته في ترشيح الحزب الديمقراطي شبه محسومة، فهل يقدر على مواجهة ترامب الذي قد تُضعفه أزمة «كورونا»؟

*مدير مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية