لا شك في أن الضرر أمر لا تقبَل به النفس البشرية مطلقاً؛ والأمراض من المشكلات التي تزعج الإنسان وتسبب له الأذى؛ فما بالك إذا كان وباءً مثل فيروس كورونا المستجد، الذي يمثل أحد أكبر التحديات التي تواجه الإنسان في العصر الحديث؛ ليس لأنه الأول من نوعه؛ فقد سبقه الكثير من الجوائح، ولا لعدواه، فهناك الكثير من الفيروسات المعدية؛ ولكن بسبب سرعة انتشاره، وطول فترة حضانته، وطبيعة عدواه، مع صعوبة السيطرة عليه، وخاصة أنه لا يوجد حتى الآن أي لقاح أو علاج له. ولا شك أيضاً في أن الآثار التي تركها على كل نواحي الحياة تقريباً، ويُتوقع أن تتفاقم، ربما تكون غير مسبوقة، على مختلف الصعد الاقتصادية والسياسية والثقافية، وحتى الاجتماعية.
ولكن مع كل ذلك، فإن في هذه الجائحة دروساً وعبراً متعددة، يمكن الاستفادة منها؛ فهو أولاً، وقبل كل شيء، يقوّي إيمان المؤمن بربه؛ والتوكل عليه في السراء والضراء، فمن يتوكل على الله حسن توكله فهو حسبه؛ والله على كل شيء قدير. وثانياً، مدى ضعف الإنسان، فرغم التقدم الهائل الذي حققته البشرية في مختلف المجالات من دون استثناء، بما فيها الطب وعلوم الأوبئة وحتى الأدوية، فهي عاجزة حتى الآن عن إيجاد لقاح فاعل لمكافحة هذا الفيروس ووقف تمدده؛ وبحسب ما يتوقع المختصون، فإن مثل هذا الدواء لن يكون متوافراً قبل عام أو عام ونصف من الآن. وثالثاً، إن مصير البشرية مشترَك؛ فقد أظهر الفيروس أن الناس، مهما اختلفت أعراقهم وألوانهم وأديانهم، يواجهون في النهاية، مصيراً واحداً؛ حيث لم يميز الفيروس بين غني وفقير، وأبيض وأسود، وكبير وصغير، وغربي وشرقي، وراعٍ ورعية، ومنطقة باردة وأخرى حارة؛ فالكل أمامه سواسية؛ والكل مهدد ومستهدَف؛ ومن ثم فإن هذا الداء أظهر أكثر من أي شيء آخر، ربما على مدار التاريخ، أن الإنسانية مصيرها مشترك. ورابعاً، تعزيز التضامن الإنساني، حيث أظهر الوباء أهمية توثيق العلاقات بين المجتمعات المختلفة، والتضامن بينها، حيث تتوحد الرؤى والجهود من أجل مكافحة هذا الوباء، والكل مستعد لمساعدة الكل؛ بل لقد رأينا تلاشياً للأحقاد وحتى بعض الصراعات توقفت؛ ما يدل على أن البشر بدؤوا يستشعرون هذه الرابطة التي تربطهم، وأن عليهم أن يتعاونوا ويتعاضدوا، بل ويتآخوا؛ ومن ثم، فإن الوباء يوحد، ولو مؤقتاً، العالم؛ وقد يضعه أمام تفكير جديد يخفف من درجة الأنانية التي سادت على مدار التاريخ؛ وكأن الله، عز وجل، يقول لهم هذه فطرتكم لتعودوا كما أردتكم. وخامساً، التكاتف المجتمعي، حيث أظهر، بل وعزز كورونا الكثير من القيم المجتمعية؛ حيث نجد التضامن بين مختلف فئات المجتمع الواحد وأبنائه، وهناك حرص واضح من الغالبية العظمى من الناس في مختلف الدول على التراحم وتخفيف الفوارق؛ حيث نجد المبادرات الفردية، وهناك نوع من التسابق لتقديم يد العون، بل وهناك الكثير من الناس نذروا أنفسهم للخدمة والتطوع من دون مقابل؛ وهذه معانٍ إنسانية موجودة من قبل، لكنها زادت كثيراً مع غلبَة الحياة المادية وطغيانها أحياناً على الجوانب القيمية التي يجب أن تحكم علاقات أبناء المجتمع أو الدولة الواحدة. وسادساً، تدريب الناس على التكيف مع الظروف المختلفة التي تفرضها مثل هذه الكوارث، على سبيل المثال، البقاء في البيوت، وحظر التجول، وتخفيف الحركة، والابتعاد عن وسائل الترفيه، وغيرها من الأمور التي لم يعتَدها الناس، وخاصة في هذا العصر الذي يعتمد على الحركة والسرعة. وسابعاً، تعظيم الاستفادة من التكنولوجيا في مجالات كثيرة؛ منها على سبيل المثال، التعليم، وتقديم الخدمات، وغيرها من المجالات التي يمكن أن نستفيد فيها كثيراً من التطور التكنولوجي الهائل والثورة الصناعية الرابعة. وثامناً، محاربة بعض السلوكيات التي تضر الإنسان؛ سواء بصحته أو وضعه المادي، مثل، التدخين، والمبالغة في الترفيه؛ وغيرها من العادات التي يمكن أن يوفر الواقع فرصة للتخلص أو التخفيف منها.
*عن نشرة «أخبار الساعة» الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.