سنقدم التفاؤل على التحليل للسائلين متى ينحسر الوباء، حيث لا جزم في الموضوع، لكن هنالك دراسة حديثة لمعهد ماساتشويتس للتقنية (MIT) الأميركي الأشهر والأول عالمياً لجهة البحث. بدأ المعهد بحثه بعدما وصل عدد الإصابات بالفيروس إلى 320 ألف حالة حول العالم، مركزاً على عناصر الحرارة، فأفاد بأن (أكثر من 90% من الحالات حدثت في مناطق كانت الحرارة فيها بين 17-3 درجة مع انخفاض بنسبة الرطوبة. و6% من الحالات كانت في حرارة أكثر من 18 درجة مئوية مع ارتفاع في نسبة الرطوبة. وإن بعض البلدان الآسيوية التي تشهد موسم أمطار وارتفاع نسبة الرطوبة، لم تسجل عدد حالات مرتفعة). وهذا يعني أن الفيروس لا يحتمل الحرارة. وبناء عليه، فإنه مع اقتراب الصيف وارتفاع درجة الرطوبة، وانحسار موجة الأمطار، فإنه من المتوقع في منتصف أبريل أو نهاية مايو، سيتراجع الوباء في المنطقة. أما البلدان الأوروبية الباردة فسيتأخر صيفها قليلاً. وتنصح الدراسة الاستمرار في أخذ الاحتياطات اللازمة لمقاومة الفيروس، فقد يبقى أطول.
من أهل الفكر نختار «جاك أتالي»، عالم الاجتماع الفرنسي والمستشار السابق للرئيس فرانسوا ميتران، لنرى قراءاته لجائحة كورونا، وهو الذي يرى أن العالم لن يبقى كما هو، بل ستحدث تغييرات عميقة في العالم بأسره، تطالُ بنى العولمة التقليدية، وتعيدُ تشكيل ثوابت المجتمعات الاستهلاكية الكبرى. وستولد- حسب «أتالي»- سلطة شرعيّة جديدة لا تقوم على (الإيمان - الدين السياسي - أو القوة أو العقل) بل على التعاطف البشري في الأزمات. وأضاف أنه على مدى الألف عام الماضية، كل وباء كبير كان يؤدي إلى تغييرات جوهريّة داخل أنظمة الأمم السياسيّة، وداخل الثقافات التي تُبنى عليها تلك الأنظمة، فالطاعون الكبير الذي ضرب أوروبا في القرن 14 وقضى على ثلت سكانها (أسهم في قيام القارة القديمة بمراجعة جذريّة لمكانة رجال الدين السياسي، وأدّى إلى نشوء أجهزة الشرطة لتحل محل الكهنة، باعتبارها الشكل الوحيد الفعّال لحماية أرواح النّاس، ما أفضى لاحقاً إلى ولادة الدولة الحديثة، وروح البحث العلمي). وفي نهاية القرن 18، نرى أن الطبيب حل مكان الشرطي، لأنه (أقدر علمياً على مواجهة الموت في الأزمات). وهكذا انتقل العالم خلال بضعة قرون، من (سلطة قائمة على الدين السياسي، إلى سلطة قائمة على احترام القوة في الأزمة، قبل الوصول لاحقاً إلى سلطة فاعلة تقوم على احترام القانون).
ويلاحظ «أتالي»: إنّه كلّما ضربت جائحة قارّة ما، إلاّ وقامت بإثبات زيف أو هشاشة المنظومات القائمة على المعتقدات والسيطرة، لفشلها في إنقاذ أعداد بشرية لا تحصى من الموت، حيث انتقم الناجون من أسيادهم الفاشلين، وتسببوا في اختلال العلاقة بين المؤسسة والناس. إن ثبت أكثر عجز السلطات القائمة في الغرب عن التحكم في المأساة، فإنّ كلّ منظومات الحكم، ومعها كلّ أسس السلطة الأيديولوجية - الفكرية ستكون موضع مراجعة جذرية، وسيحدث استبدالها، وما أن تنتهي الفترة الحرجة، حتى نرى نماذج جديدة قائمة على نوع آخر من أنظمة الحكم، قائمة على الثقة في نوع آخر من المنظومات القيميّة الأخلاقيّة المستحدثة أو التي كانت مغيبة) وستؤول الهيمنة إلى القطاعات الاقتصادية المتعاطفة مع البشر كالصحة، والمشافي، والتغذية، والتعليم، والبيئة. ختاماً، يقول «أتالي» إن رغبة الناس في الحياة تظل هي الأقوى دوماً، وإنهم في النهاية سيتجاوزون كل ما يعترض طريقهم، كي ينعموا بلحظاتهم النادرة فوق الأرض.
*إعلامي وكاتب صحفي