لم يكن العالم مستعداً لكوفيد19، الذي يعتبر اليوم واحداً من أخطر الأوبئة تهديداً لسلامة البشر، ذلك لأن انتقاله سهل، ويعتمد على تعامل الناس مع بعضهم بعضاً، أطباء وباحثون ومحللون يشيرون إلى أن تأخر منظمة الصحة الدولية في اعتباره وباءً خطيراً، أسهم كثيراً في انتشاره بدرجة كبيرة، فأصبح من الصعوبة السيطرة عليه، من دون أن ننسى أنه بداية لم يتم إعطاء هذا الفيروس الأهمية التي يستحقها من ناحية حجم خطورته، وهو ما كان سبباً رئيساً في عبوره الحدود، خصوصاً وأن ملايين البشر منذ بدء انتشاره تحركوا وسافروا وتواصلوا، وفي حال صحّت الأنباء بأن اكتشاف أول حالة مصابة كان في شهر نوفمبر 2019، فلنا أن نتخيل حجم الكارثة التي حلّت بشعوب الدول في القارات كافة، وفي مختلف قطاعات العمل.
وإزاء هكذا خطر وأخطار مشابهة له قد تظهر مستقبلاً، يجب أن تعيد جميع الدول بلا استثناء النظر في سياساتها، لتكون مستعدة لمواجهة أي فيروس، قد يضطرها إلى خوض معركة مفتوحة معه وعلى عدة جبهات، لأن ما حدث ويحدث منذ أشهر يكاد يطبق على الأنفاس.
صحيح أن الفيروس ليس قاتلاً بالمعنى الحرفي للكلمة، إلا أنه مؤثر في العمق على المجتمعات، وعلى الاقتصاد الذي هو الشغل الشاغل للجميع، الفيروس يستنزف جهوداً بشرية جبارة، وإنفاقاً مهولاً على الصحة والشرطة والأمن والعمل، إنه باختصار طوفان بلا ماء، لكنه قادر على إغراق العالم.
لم تكن الأغلبية الساحقة من الدول مستعدة لمواجهة كوفيد19؛ إن لم نقل كلها، كما لم تعتمد الشفافية في تصريحها عن حجم الإصابات فيها، غير أن دولاً بعينها –وهي قليلة جداً- كانت مستعدة نسبياً للتعامل مع الوضع، ذلك لأنها أولت الداخل اهتماماً كبيراً، فعززته وحمته ودعمت قطاعاته المختلفة، ووضعت الخطط التي تمنحه الديمومة، وبمزيد من الفاعلية والكفاءة، والأهم من ذلك أنها تركت هامشاً مهماً للخطط البديلة في حالات الطوارئ مستفيدة من كل إمكاناتها، وتعاملت كذلك مع المنظمات المعنية والجمهور بشفافية تامة.
ما تقوم به الإمارات إزاء هكذا كارثة، يدلل على أن القيادة سارعت إلى اتخاذ إجراءات احترازية، تكفل لها السيطرة إلى حد بعيد على كوفيد19، ولكي لا تتعطل فيها الحياة بشكل كامل، أقرت العديد من القوانين الصارمة والقرارات الخاصة بمختلف القطاعات، ومن بينها التعليم الذي استمر عن بعد لضمان استكمال المنهاج الدراسي، وللمحافظة على حياة الطلبة والمعلمين، وعليه دفعت الحكومة باتجاه عدم إيقاف التعليم، فيما الكثير من الدول أوقفت التعليم نهائياً، لأنها لم تكن مستعدة على الإطلاق، وبالتالي لم تضع خططاً بديلة في حال وجود أية أزمة.
منذ سنوات، حرصت الإمارات على تجهيز بنية تحتية جيدة للتعليم عن بعد، وكانت قد أدرجت خطط التنفيذ إلى وقت لاحق، وأتى اليوم الحاسم كي تضع التجربة في ظرف استثنائي على المحك، وتخضعها في الوقت ذاته لرقابة ودراسة عملية حول مدى نجاعتها، وبالتالي إمكانية تطويرها في الجوانب التي ستكون بحاجة إلى ذلك، وأعتقد أن المعلمين هم الذين سيخضعون لاحقاً بالدرجة الأولى إلى دروات تأهيلية لتمكينهم من أداء أدوارهم كما يجب، كما سيتم رفع وعي وكفاءة ذوي الطلبة بالبرامج التعليمية الإلكترونية، وفي التعامل مع أبنائهم الذين هم في المرحلة الابتدائية تحديداً، علماً أن التعليم عن بعد لا يغني عن التعليم التفاعلي المهم جداً في تشكيل شخصية الطفل، لكنه في أوقات الأزمات حيوي للغاية.
لدينا في الإمارات بنية تحتية متميزة، تعادل ما هو موجود في أكثر الدول تقدماً ونهضة، ويبقى علينا كأفراد الاستفادة مما هو موجود بمسؤولية ووعي كبيرين في هذا الوقت بالتحديد، لأن العالم بعد كوفيد19 سيختلف كثيراً عما قبله، وحتماً ستغدو هذه المحنة درساً للحكومات والأفراد.