في تلك الأيام المثيرة من عام ،2004 وعندما كان العالم بأسره يراقب بمزيج من الانبهار والذهول المسبار ''سبيريت روفر'' Spirit Rover وهو يهبط على سطح الكوكب الأحمر، حملق ''د· ستيف سكوياريس'' كبير العلماء المتابعين للمهمة من مركز المراقبة الأرضية، في الصور التي كان يرسلها المسبار، والتي كانت تظهر طبيعة الأرض القريبة من الموضع الذي هبط عنده، باهتمام شديد·· وذلك قبل أن ينطق بعبارة بدت ساعتها وكأنها قد أفلتت من شفتيه، أو أنها شيء من قبيل التمني، وهي أنه يود لو كان المسبار قادرا على الصعود فوق قمة تلال ''كولومبيا'' ذات اللون الوردي الفاتح، التي كانت تبعد بمسافة ميل واحد عن مكان هبوط المسبار، وأن ينظر من فوقها إلى ما حولها من أراض·
والواقع أن تلك الأمنية قد تحققت، وذلك بعد أن صعد ''سبيريت'' حاليا إلى تلك البقعة التي ترتفع عن سطح المريخ بمسافة 350 قدما، ويقوم حاليا ببث إشاراته منها إلى مركز المتابعة الأرضية· ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل إن الذي حدث في ذات الوقت هو أن توأمه المسبار'' أوبورتشيونيتي'' يقوم حاليا بالسباحة فوق كثبان الرمال المظلمة التي تكونت بفعل هبوب الرياح على الجانب الآخر من الكوكب·
ويمكن القول إن أداء المسبارين اللذين استطاعا الصمود حتى الآن··· قد منح د· سكوياريس أملا جديدا··· وهو أمل لا يقل إثارة وخيالا عن أمله السابق بالصعود إلى قمة التل ومشاهدة سطح المريخ من فوقه· هذا الأمل يقوم على أن كل ما قام به المسباران حتى الآن لا يزيد عن نصف المهام المحددة لهما في الأساس وبالتالي فإنه طالما أن المسبارين قادران على مواصلة أداء مهامهما فإن ذلك يعني أن الفرصة لا تزال قائمة لتحقيق إنجازات كبيرة تبدو قريبة إلى حد مغر وكل ما يحول بين المسبارين وبين تحقيقها هو عقبات طبيعية يمكن التغلب عليها·
''إن العقوبات التي قد نواجهها أمامنا لا تختلف كثيرا في طبيعتها عن العقبات التي صادفناها في المهام والرحلات الأخرى التي قامت بها السفن الفضائية المختلفة، وذلك منذ أن بدأت الرحلات الفضائية إلى كوكب المريخ'' كما يقول د· سكوياريس·
والمسار المحدد للمسبار ''سبيريت'' سوف ينتهي به إلى الجانب الآخر من تلال ''كولومبيا'' وتحديدا إلى تكوين جيولوجي غريب الشكل يتخذ هيئة مائدة صخرية موضوعة على قمة التلال، ويطلق عليه العلماء المشرفون على الرحلة اسم اللوح ''هوم''· وهو لوح يمكن أن يفيد في معرفة ما إذا كان ذلك صحيحا أم لا على الرغم من أنه- كما يقول د· سكوياريس ''لا يختلف كثيرا عن أي شيء من الأشياء التي سبق لنا رؤيتها من قبل''·
وهناك مشكلة تواجه العلماء المتابعون لمهمة المسبارين وهي أن الطريق إلى ذلك الموقع- حفرة جوسيف- يبدو منحدرا بشكل حاد في بعض الأماكن لدرجة أن العلماء لا يستطيعون رؤية جانب التلال من خلاله· المشكلة الأخرى أن المسبار الآخر ''أوبورتشيونيتي'' قد أمضى خمسة أسابيع كاملة محصورا في شق من الشقوق الموجودة في السهول المعروفة باسم سهول ميريداني Meridiani والتي توجد في منتصف الكوكب تقريبا، وذلك بعد أن انزلقت عجلاته في ذلك الشق الذي ابتلعها كما تبتلع الرمال المتحركة الأشياء في صحاري الأرض·
والآن وبعد أن تم تحرير عجلات المسبار من هذا الشق، فإنه يقوم بالتقدم في طريقه ولكن ببطء وحذر شديد، كما أنه قام بالتوقف بالقرب من حفرة موجودة في طريقه الذي سيؤدي إلى الحفرة الكبيرة المعروفة بحفرة '' فيكتوريا'' والتي تبعد عن النقطة الموجودة فيها حاليا بمسافة ميل ونصف الميل، وهي البقعة التي يقول العلماء إنه يمكن عندها الحصول على أوضح صورة ممكنة عن التاريخ المائي لكوكب المريخ·
وفي الواقع أن المسبار ''أوبورتشيونيتي'' قد عثر بالفعل على دليل على أن الماء كان موجودا في الكوكب الأحمر في الماضي· هذا الدليل كان يتمثل في صخرة طولها 15 بوصة كانت موجودة وسط طبقة خفيفة من الرمال المتناثرة على السطح، وفي نتوء صخري طوله 20 قدما لا يبعد كثيرا عن الصخرة الأولى، ويرى العلماء أن هاتين الصخرتين يمكن أن تقدما لهم المزيد من المعلومات التي يمكن بناء عليها التكهن بأن سهول ''ميريدياني'' كانت مغطاة في يوم من الأيام بقلادة من البحيرات التي تكونت بفعل المياه الجوفية·
ويشار في هذا السياق أن الصخور التي تمتد لمسافة أعمق تحت السطح هي التي يمكن أن تسمح للعلماء بالنظر إلى فترة أبعد في الماضي·
والسؤال الذي يتبادر إلى الأذهان في هذا السياق هو: كم من الوقت يستطيع المسباران أن يصمدا في بيئة يبلغ فيها الفارق بين أعلى درجة وأقل درجة حرارة حوالي 200 درجة فهرنهايت في اليوم الواحد ؟ يقول العلماء إن إجابة هذا السؤال ستظل سرا·
وحتى الآن تمكن المسبار ''أوبورتشيونيتي'' من قطع مسافة تزيد عن 3,5 ميل في حين أن المسبار ''سبيريت'' قطع 3 أميال فقط·
وقد تمكن المسباران من البقاء والاستمرار في العمل طيلة هذه المدة لأن العواصف الرملية التي تهب على الكوكب أزالت الغبار الذي كان متراكما على الألواح الشمسية للمسبار