اتسمت جلسة الاستماع التي نظمها الكونجرس الأميركي حول باكستان وما إذا كانت قادرة على الوفاء بتعهداتها لمساعدة الولايات المتحدة في حربها ضد الإرهاب ومنع الانتشار النووي بالجدل والإحباط. لكن في بداية الجلسة وقبل توالي الانتقادات لباكستان، التي اعتبرها أحد المسؤولين في الإدارة الأميركية أكبر حليف لأميركا في حربها ضد الإرهاب، أدلى رئيس الجلسة النائب "إيد رويس" من كاليفورنيا خلال جلسة مايو 2006 بتصريح متزن قال فيه "إن السياسة الأميركية تحاول العمل مع الحكومة الباكستانية والضغط عليها في آن معاً. لكن ليس لدرجة زعزعة استقرارها"، مضيفاً "إن إمكانية سيطرة الإسلاميين الراديكاليين على السلطة، تظل إحدى مشاغلنا الأساسية". وقد لعب هذا الخوف من وقوع الترسانة النووية الباكستانية في أيدي المتطرفين الإسلاميين، حسب الخبراء، دوراً محورياً في صياغة السياسة الأميركية تجاه باكستان منذ أحداث 11 سبتمبر. فقد دفع ذلك إدارة الرئيس بوش إلى تأييد الحكم العسكري في باكستان لما أبداه من قوة ومقدرة على دعم المصالح الأميركية، رغم وصوله إلى السلطة من خلال انقلاب عسكري أطاح بحكومة ديمقراطية. بيد أن هذا الخوف من ترسانة باكستان النووية واحتمال سيطرة المتشددين عليها سرعان ما يتلاشى بالنظر إلى الحقائق على أرض الواقع، وما يتردد بشكل متنام في أروقة واشنطن. فما نشهده اليوم في باكستان ليس سوى تكرار لأنماط سابقة طبعت الانتخابات الباكستانية، حيث يقف التواجد القوي لجيش علماني عقبة كأداء تحول دون وصول المتشددين الإسلاميين إلى السلطة. وبخصوص المخاوف آنفة الذكر، يقول: "سيث جونز"، المحلل في مؤسسة "راند" والخبير في شؤون مكافحة الإرهاب "إنها مجرد هراء". ويأتي هذا النقاش حول باكستان داخل الكونجرس الأميركي في وقت حساس تجتاح فيه البلاد احتجاجات عارمة في الشوارع إثر القرار المثير للجدل الذي اتخذه "برويز مشرف" بإقالة كبير القضاة في المحكمة العليا الباكستانية. ومن ناحيتها وقفت الولايات المتحدة إلى جانب الرئيس "برويز مشرف"، حيث قام مؤخراً المسؤولان في وزارة الخارجية الأميركية "ريتشارد بوتشر" و"جون نيجروبونتي" بالتحدث إلى الرئيس الباكستاني خلال زيارة قاما بها إلى إسلام أباد يوم السبت الماضي. وقد أعرب المسؤولان عن ثقتهما الكاملة بالرئيس "مشرف" وقدرته على معالجة أهم قضية خلافية اليوم في البلاد والمتمثلة فيما إذا كان سيرشح نفسه مرة أخرى للرئاسة وفي الوقت نفسه يحتفظ بمنصب القائد العام للجيش. وفي هذا الصدد قال "نيجروبونتي" موضحاً موقفه إزاء القضية "أعتقد أنها مسألة يتعين على مشرف أن يبت فيها، وهي ترتبط به لوحده". غير أن التغيير في موازين القوى داخل الكونجرس الأميركي خلال السنة الجارية أثار تساؤلات جديدة حول ما إذا كان "مشرف" الرجل الوحيد القادر على منع الإرهاب النووي. فلكي يحافظ على حكمه، يرى بعض النواب "الديمقراطيين" في الكونجرس، أن "برويز مشرف" عمد إلى تهميش الأحزاب الباكستانية الكبرى ذات الميول العلمانية، واعتمد بدلاً من ذلك على الأحزاب الدينية لما تقدمه له من دعم. ويأتي هذا التغيير في موقف الكونجرس تجاه باكستان في ظل المستويات غير المسبوقة التي بلغها التطرف في البلاد. فلأول مرة في تاريخ البلد قامت العناصر المرتبطة بـ"طالبان" باستهداف وزراء في الحكومة، فضلاً عن أفراد الجيش في تفجيرات انتحارية، كما تضاعفت أعمال العنف في المحافظات الحدودية الواقعة شمال غرب باكستان. ويذهب المحللون الباكستانيون إلى أن أفضل طريقة لمكافحة الإرهاب في البلد، لن تكون من خلال القوة العسكرية، بل من خلال تكريس المزيد من الديمقراطية. وعلى مدار الثلاثين السنة، التي ساد فيها الحكم الديمقراطي بباكستان منذ استقلالها قبل ستين سنة، لم تستطع الأحزاب الدينية الحصول على أكثر من 12% من الأصوات في الانتخابات. ويؤكد هذا الطرح "فريدريك جير" في التقرير الذي أعده لمعهد "كارنيجي للسلام الدولي" موضحاً ذلك بقوله "رغم المخاوف التي يثيرها الإسلاميون في باكستان، فإن الصوت الإسلامي يبقى محصوراً في نسبة لا تتعدى عُشر الناخبين فقط، وذلك رغم تدخل أجهزة الدولة لصالحه". وتظهر الإحصاءات وجود صورة أخرى لباكستان مغايرة عن تلك التي ارتسمت في أذهان الناس بالخارج. فحوالي 70% من سكان باكستان ينحدرون من منطقتي البنجاب والسند، حيث تتشابه التقاليد الاجتماعية والتطلعات الاقتصادية مع الأنماط المعتدلة السائدة في الهند. وبالمثل ينحدر قرابة 84% من عناصر الجيش من منطقتي البنجاب والسند. وهذا ما يفسر إحجام القادة العسكريين، الذين حكموا باكستان لفترة ثلاثين عاماً عن حل النظام الديمقراطي، بل قاموا بتوظيف مؤسساته للبقاء في الحكم من جهة، وخلق انطباع خارجي بوجود ديمقراطية في البلد من جهة أخرى. وفي هذا السياق اعتمد "برويز مشرف"، على غرار الجنرالات الثلاثة الذين سبقوه، على الأحزاب الدينية الهامشية لدعم سلطته وتعزيز مكانته. ولأن الأحزاب الدينية تتمتع بحضور قوي في الشارع، فقد تحولت إلى حليف سياسي مناسب للحكام العسكريين الذين يفتقرون إلى شعبية قوية، وفي المقابل يتعمق نفوذ الأحزاب الدينية في المجتمع. وتعتقد "سمينا أحمد" من "مجموعة الأزمات الدولية" في إسلام أباد "أن الخطوة الأولى لتطهير الساحة من المتشددين هي التأكد من أنهم معزولون تماماً، لكن مشرف يعتمد عليهم لدعم نظامه السياسي". لكن رغم تعهد المسؤولين الأميركيين بمواصلة الدعم لـ"برويز مشرف" ومساعدته على تقليص اعتماده على الأحزاب الدينية، فإن هناك من يرى بأن "مشرف" يستفيد من المخاوف التي يثيرها الإسلاميون من أجل الحصول على الدعم المالي الأميركي. مارك سابانفيلد مراسل "كريستيان ساينس مونيتور" في باكستان ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"