يجيء عيد الفطر هذا العام في شهر سبتمبر، ومن المحتمل أن يكون هذا هو حاله في العام القادم أيضاً، ولعل هذا يطرد من ذاكرتنا أن سبتمبر أو أيلول هو شهر الأزمات، كان في المقام الأول عربياً ثم أصبح الآن عالمياً. في التاريخ العربي المعاصر يسمى سبتمبر \"أيلول الأسود\"، في إشارة الى الصدام العسكري المروع بين الجيش الأردني والفلسطينيين الذي صدم الشارع العربي، فهرول القادة العرب لعقد قمة استثنائية، ولم تكن هذه القمة الطارئة في القاهرة انعكاساً للأزمة، لكنها هي أيضاً كانت أزمة، فبعد إقناع المترددين وحتى مساعدة المعاقين على الحضور الى القاهرة، كان الدخول الى القاعة نفسه أزمة. وكان الخوف من أنه مع حرارة المداولات قد ينفلت الزمام. ورغم ساعات العمل الطويلة والمرهقة، لم يُختتم المؤتمر بحل، لكن بإعطاء مُسَكِّن أو مهدئ، فقد كان الداء عويصاً، ويتعلق بالوجود المتزايد للفلسطينيين المشردين واللاجئين للدول العربية المختلفة، خاصة الأردن ولبنان، وعلاقتهم بالسيادة الوطنية لهذه الدولة أو تلك. تم إذن وقف إطلاق النار، ومنع ذبح مزيد من جماهير الشعب الفلسطيني، وحتى مع صعوبة الوصول الى حل دائم في هذا الوقت القصير، هلل الكثيرون لأنه تم على الأقل احتواء الأزمة وإيقاف سيول الدماء. ومع احتواء هذه الأزمة، أو الصدمة كما شعر بها الجميع، انتهى المؤتمر بصدمة أخرى. فعند توديعه آخر المشاركين في القمة، وهو أمير الكويت، شعر عبدالناصر بوعكة على أرض المطار منعته من التحرك الى سيارته، ثم غادر الدنيا في نفس اليوم الـ28 سبتمبر، عن عمر لا يتجاوز الـ52. كانت المفاجأة صادمة، حتى بالنسبة لخصوم عبدالناصر، ولا زال الكثيرون ينظرون الى الصور القديمة للجنازة وصعوبة السيطرة على الجماهير المنتحبة في القاهرة، كما في عواصم عربية أخرى، ويروا هول الفاجعة. تزامن هذا التاريخ، 28 سبتمبر، مع صدمة أخرى في التاريخ العربي، لكنها حدثت قبل ذلك بتسعة أعوام: انقلاب عسكري في دمشق ضد الوحدة المصرية -السورية، ثم الانفصال الذي أودى بالجمهورية العربية، ومعها حلم الوحدة العربية نفسه. ومن مقابلات مع بعض الذين كانوا يحيطون بعبدالناصر في ذلك الوقت، فإن ذلك الانفصال كان سبب أصابته بعلل أوهنته ثم أودت بحياته. ولا عجب، فقد أرسى رصيده السياسي على مطلب الوحدة، وكانت شعبيته في سوريا أكبر منها حتى في مصر، لذلك لم يتصور طعنة كهذه في الظهر. أليس من الغريب أن يتوفى في نفس اليوم، 28 سبتمبر، بعد تسع سنوات على تاريخ الانفصال؟! لم يتوقف سبتمبر عند ذلك، بل كرر مأساة أيلول الأسود، لكن هذه المرة في بيروت، في مأساة صبرا وشاتيلا سنة 1982. كانت الصدمة قوية أيضاً، لأن المذبحة ضد المخيمات الفلسطينية تمت بتواطؤ بين القوات الإسرائيلية الغازية وبعض الميليشيات اللبنانية. وكما أثبتت \"لجنة كاهان\" الإسرائيلية بعد ذلك، فقد قام الإسرائيليون أثناء الليل، بذبح النساء والأطفال دون تمييز. لم يتوقف سواد أيلول وصدماته على المستوى الإقليمي، بل فرد أجنحته ليهاجم العالم، وسأكتفي بمثلين صارخين: هجوم تنظيم \"القاعدة\" على برجي نيويورك ومبنى البنتاجون في واشنطن يوم 11 سبتمبر 2001، والذي أوقع 3000 قتيل مدني، أميركي وغير أميركي، علاوة على ما صاحب ذلك من هلع عالمي، ثم من تشويه لصورة الإسلام. وأخيراً وقعت أزمة الاقتصاد العالمي وانتشار الإفلاس وحالة البطالة، والتي كان مؤشرها الأساسي انهيار المؤسسات المالية الكبرى في الولايات المتحدة، وخاصة ليمان براذرز في منتصف سبتمبر الماضي. فهل هناك أية إيجابية في هذه الأزمات تنقذ أيلول من وجهه الأسود وسمعته السيئة، هذا موضوع مقال آخر، ثم بمناسبة عيد الفطر المبارك، نقول لأيلول: أكثر من الأعياد وقلل من المآسي.