أدهشني الإعلامي النابغ بسؤاله: «هل هي فعلاً تمثيلية؟». كان يتكلّم عن الجنود السبعة المصريين الذين تم خطفهم في سيناء خلال الأسبوع الماضي، والذين تم الإفراج عنهم في النهاية ودون إراقة أي دماء، وذلك بعد أيام قليلة على عملية الخطف، بينما استغرق الإفراج مثلاً عن جندي إسرائيلي واحد -هو «شاليط» الذي كان أسيراً لدى الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة- حوالي السنتين تقريباً. الإفراج عن هؤلاء الجنود المصريين هو إنجاز بجميع المقاييس، وفعلاً حاول نظام الحكم، بعناصره المختلفة، استغلال هذا الإنجاز على جميع المستويات. وبالرغم من أن المعلومات لا تزال شحيحة حول هوية الخاطفين وملابسات تحرير المخطوفين، فإني لا أعتقد أن هذه العملية مجرد تمثيلية، لكن يمكن الوصول إلى بعض الاستخلاصات الهامة في هذا الخصوص. والحقيقة أن عملية الخطف هذه تعكس واقعاً ملموساً في سيناء، بما في ذلك ما تعانيه شبه الجزيرة من انعدام للتنمية وغياب للسيطرة الأمنية. فقد أصبح هناك فراغ متزايد في هذه المنطقة. وقد تم نسف خط أنابيب الطاقة التي تورد الغاز الطبيعي إلى إسرائيل والأردن 18 مرة منذ قيام الثورة قبل أقل من سنتين ونصف السنة. ثم لا نزال ننتظر نتيجة التحقيقات في الهجوم على معسكر للجنود المصريين ومقتل حوالي 17 منهم وجرح آخرين. سيناء إذن تقع خارج السيطرة الرسمية، وقد يكون خطف هؤلاء الجنود فرصة لاستعادة السيطرة عليها، خاصة من جانب الجيش، وهذا يعني إعادة التفاوض على بعض البنود الواردة في معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية لعام 1979، وهو أمر تحقيقه -حتى بالنسبة لإسرائيل- ليس بالمعضلة التي يتصورها الكثيرون. فبسبب حوادث الاختطاف ومظاهر الانفلات الأمني، فإن الوضع المنصوص عليه في المعاهدة قد تغير بالفعل، مما يسمح بدفع قوات وحتى طائرات هليكوبتر في مناطق يحظر نص المعاهدة أن يحدث فيها ذلك. وقد تم هذا بالطبع بالتفاهم مع إسرائيل وحتى مع بعض الجهات الأميركية. لكن ما مغزى هذه المعلومات في الوقت الحالي تحديداً؟ على عكس ما تقول به بعض أجهزة الإعلام، فإن المستفيد الأول هو القوات المسلحة، ثم الشرطة، ثم رئيس الجمهورية ونظام حكمه بشكل عام. ففي البداية كان هناك خلاف بين القوات المسلحة والقيادات السياسية التي كانت مترددة بعض الشيء في القيام بمواجهة عسكرية مع المختطفين، حيث صرّح مرسي بأن مهمته عدم إراقة الدم المصري، والذي تُرجم على أنه شعور بنوع من الإهانة جرّاء عمليات الاختطاف، فتعالت أصوات تطالب بإجراء حاسم وسريع، بل قام بعض الجنود في ميناء رفح بالاعتصام والإضراب، حتى أنهم رفضوا الحديث مع قياداتهم، وذلك في أجهزة تقوم على الضبط والربط! لم يكن أمام القيادة السياسية إذن إلا أن تتراجع. وفي اجتماعه بوزيري الدفاع والداخلية ورئيس المخابرات، لم يكن أمام مرسي اختيار إلا تسليم القيادة في هذا الموضوع إلى القوات المسلحة، والتي قامت بالتنظيم وحشد الدبابات والطائرات، وانتقل قائد الجيش الثاني الميداني إلى سيناء، وجرى كل هذا بتغطية إعلامية كثيفة، وحتى في بعض الأحيان بتفاصيل كثيرة عن التحركات العسكرية. ثم فجأة، وبسرعة أُعلن عن تحرير المختطفين! أصرت القيادة السياسية على أن هذا الإنجاز هو من صنعها. وتصدّر الرئيس مرسي، في مطار ألماظة، مستقبلي الجنود المحررين، وسط القبلات والهتافات من قبيل «محرر المختطفين»، و«محرر الأقصى»، والتأكيد على أن القيادة السياسية كانت -ومنذ البداية - وراء سياسة الحسم، لكن غالبية الشارع المصري - على العكس - تربط بين هذا الإنجاز الحاسم والقوات المسلحة. وقد زادت هيبة وزير الدفاع السيسي في الشارع المصري، ووجد المطالبون بعودة الجيش إلى المعترك السياسي تبريراً وتدعيماً وتأكيداً لمطلبهم. ألم يثبت رجال القوات المسلحة أنهم هم القادرون على حكم البلاد، حتى في أحلك الظروف كما هو الحال في سيناء؟ هكذا سمعت من أكثر من رجل وامرأة في الشارع، حتى البسطاء بينهم، بل سمعته مما كان يعترض على وجود المجلس الأعلى للقوات المسلحة في الفترة الانتقالية، وقبل وصول مرسي إلى الحكم... فما هو المغزى في كل ذلك؟ إذا كان مرسي، ووراءه مكتب الإرشاد، هم في مقدمة السلطة السياسية، فإن القوات المسلحة هي من تملك السلطة الحقيقية: بسبب قواتها، أعدادها، ثم الآن إنجازاتها والتي تماثل الانقلاب الناعم. وبسبب تلك الصورة الإيجابية، فإن القوات المسلحة الآن في طريقها لأن تكتسب شرعية هذه السلطة، بعد أن امتلكت قوتها وعتادها. لكن في هذه الظروف ليس من صالحها البتة أن تقوم الآن بانقلاب عسكري، فهو لا يضيف شيئاً إلى ما تملكه، بل على العكس قد يضيف إلى المسؤوليات الصعبة، ويؤدي إلى مواجهة ويخصم من رصيدها.