في قرابة 300 صفحة من القطع المتوسط، وعلى مدار 16 فصلا يرسم حلمي شعراوي صورة بانورامية عن المشهدين المصري والأفريقي في حالتهما الثورية، رابطاً ما جرى بجذور تاريخية عمادها ثورة 23 يوليو 1952 التي وصفها في الفصل الأول من كتابه بـ«حركة التحرر الوطني» التي قادها عبدالناصر وزملاؤه، لكنه نوّه إلى أن السياسات الأميركية كانت الأقوى مقارنة بالأبعاد الاجتماعية على الصعيد العالمي، والتي تضمنت تطورات تتعلق بالاشتراكية في كل من الاتحاد السوفييتي والصين. ويتطرق شعراوي في الفصل الثاني من كتابه إلى تجربته الشخصية كخبير في الشؤون الأفريقية برئاسة الجمهورية خلال الفترة بين 1956 و1975، وباعتباره منسقاً آنذاك لمكاتب حركات التحرير بالقاهرة. ويشير شعراوي إلى أن تلك الفترة كانت غنية ومفجرة لطاقات شعبية في مصر وأفريقيا استعداداً لمرحلة الاستقلال السياسي، وقد شملت انفتاح مصر على القطب الاشتراكي في مواجهة الاستعمار بأشكاله المختلفة. وضمن هذا الإطار انعقد في طشقند 1957 مهرجان الشباب العالمي، وتلاه المؤتمر الشعبي الأفروآسيوي الذي حضره مئات القيادات الأفريقية الشابة، فازدحم مقر الرابطة الأفريقية بحي الزمالك بعدد كبير من الأفارقة. وعندما استعرت الثورة الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي في مطلع الستينيات، بمساعدة مصرية، بدا وكأن القاهرة تنتقم من الدور الفرنسي في العدوان الثلاثي عام 1956. ولفت الكاتب الانتباه إلى أن نكسة 1967 جاءت بعد نكسات أفريقية تمثلت في ضرب نظم التحرر الوطني في غانا ومالي والكونجو وأوغندا. وفي الفصل الثالث من الكتاب، والمعنون بـ«حضور حركة تحرير الجنوب الأفريقي في شمال القارة»، أشار «شعراوي» إلى أنه خلال الستينيات أصبح في حي الزمالك القاهري أكثر من عشرين مكتباً لحركات التحرير الأفريقية، كما كان هناك أكثر من 25 برنامجاً إذاعياً موجهاً باللغات الأفريقية. وفي الفصل التاسع يرصد شعراوي بعض المشاهد الأفريقية التي تحركت فيها الجماهير ضد نظم استبدادية قائلا إن القارة شهدت في تسعينيات القرن الماضي فورات شعبية باسم «المؤتمرات الشعبية الوطنية» و«مؤتمرات السيادة الوطنية» و«الديمقراطية»، كما حدث في غانا وبنين ومالي والنيجر وبوركينا فاسو وزامبيا ومدغشقر. وفي نهاية الفصل العاشر، والذي خصصه لجذور وديناميات الثورات الشعبية في الشمال الأفريقي، خرج شعراوي باستنتاج مفاده أن ضعف القوى الفاعلة، سواء في الاتحاد الأفريقي أو الجامعة العربية، ساهم في صعود تيارات إسلامية داخل الدول العربية، علاوة على النموذج التركي للحكومة الإسلامية، وربما يتكرر الحديث عن «مشروع إسلامي للشرق الأوسط» تتصارع فيه دول عربية مع إيران. وحاول شعراوي في الفصل الحادي عشر توصيف ثورات «الربيع العربي» في الشمال الأفريقي، لافتاً إلى أن الحدث الليبي أربك موقف القارة حيال «الربيع العربي»، والذي تشوهت صورته، لاسيما بسبب ما تعرضت له الجاليات الأفريقية في ليبيا، والتي قاتل بعضها مع القذافي ضد الثوار. وخصص شعراوي الفصل الأخير من الكتاب للموقف الأفريقي من ثورة 30 يونيو في مصر، والذي جاء مغايراً لإرادة المصريين الذين وضعوا خريطة طريق ترسم معالم حياة دستورية جديدة. طه حسيب الكتاب:الثورات العربية وأفريقيا المؤلف:حلمي شعراوي الناشر:مكتبة جزيرة الورد تاريخ النشر: 2014