أن تشعر بالألم فهذا يعني أنك حي، لكن عندما تحس بآلام الآخرين فهي الدلالة أنك إنسان، وأنك تنضح بالعواطف الإنسانية النبيلة الجياشة، عبارات يستحضرها الذهن ويأخذنا الإحساس بها، عندما تداهمنا مواقف إنسانية كبيرة، كتلك التي لامسناها عن قرب في مواقف رجل تنحني له الهامات والأخلاق، لمواقفه الإنسانية التي ستسطر اسمه كإنسان قبل أن تعلنه كقائد كبير، نهل الأخلاق والقيم من منهل كان دافق العطاء نقي السريرة، إنه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، الخلف الصالح لسلف خالد بمواقفه وأخلاقه، وهو الراحل الكبير الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «رحمه الله»، باني دولة الإمارات وعنوان نهضتها. أما مناسبة هذه العبارات التي تبدو أقل بكثير من أن تُعطي الرجل حقه، فهي تلك المبادرات الإنسانية التي دأب سموه على القيام بها، خلال تقديمه واجب العزاء في شهداء الوطن. فلم يلبس سموه لباس المسؤول كما عودنا البعض، لكنه تمنطق بنطاق الرجولة، وامتشق صهوتها بكريم أخلاقه ورائع صفاته الإنسانية التي تعبر عن ابن البادية الحقيقي، ابن البادية العربية الذي عجنته رمالها، وعلى جبهته القمحية تركت صفات نقاء الصحراء وصلابتها في آن. فها هو الفارس العربي النبيل الذي آمن برسالة ومبادئ زايد، يترجمها على الأرض أمثلة في الإنسانية والصدق والعطاء. ها هو القائد، لا يتمترس خلف حجاب، ليرسل إلى مواطنيه برقيات التعزية في أحسن الحالات عبر وسائل الإعلام أو مواقع التواصل كما هو حال الكثير من القادة في العالم أجمع، وإنما نزل بنفسه إلى صفوف مواطنيه أكثر من مرة في أكثر من مناسبة، ليعلن لهم أن الإنسانية هي المواقف الصادقة، وأن الوطن لا يسمو إلا برجاله المخلصين، الذين لترابه الغالي يجودون بأرواحهم الطاهرة، ودماؤهم الزكية رخيصة على مذبح الحرية والكرامة، وأن القائد الحقيقي هو الذي يعيش بين شعبه، فيتلمس جراحاتهم ويبلسمها بكريم الأعمال وطيب الكلام ونبل الموقف، ويقف إلى جانبهم، كما هو الحال عندما نزل سموه لتقديم واجبات العزاء في شهداء الوطن بنفسه الذين وصل عددهم إلى 68 شهيداً، فيلتقي أسرهم وأبناءهم بحنان الأب والقائد، مستفسراً عن أحوالهم، مقدما لهم بكل كرم وطيب نفس كل ما يحتاجونه من الوطن، تكريما لهم وإجلالًا ووفاءً واعترافاً بجميلهم في تقديم أبنائهم في سبيل الوطن ورفع رايته عالياً. ولئن عبرت المواقف كلها عن كريم خصال صاحبها، إلا أن ما تداولته مواقع التواصل الاجتماعي للحظات أبوية حانية خلال تقديم صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان واجب العزاء في الشهيد حمود علي صالح العامري، الذي انتقل إلى جوار ربه متأثراً بجراحه إثر حادثة مأرب في سبتمبر الماضي ضمن مشاركته مع قوات التحالف العربي، كان أبلغ من الوصف وأدق من الصورة، إذ لم يستطع صاحب السمو منع دموعه العزيزة من أن تنساب وهو يعانق ابن الشهيد وابنته (ديمة وشقيقها) في موقف إنساني مؤثر يعجز اللسان عن وصفه، وكأنه ينبئنا بأن دموع الرجال غالية، لا يوازيها في القداسة إلا الوطن ومن يقدم روحه رخيصة لأجله. انسابت دموع القائد الذي عجنته الصحراء بقسوتها، فبان ما فيه من إنسانية ورقة وحنان أبوي، ليكون نموذجاً ومثلاً يحتذى، ليس باعتباره قائداً فحسب، وأنما أباً حنوناً أيضاً. فطوبى للإمارات برجالاتها، وطوبى لشعب الإمارات بقادة كهؤلاء، يقدمون في كل يوم دليلاً جديداً على أن روح وأخلاق زايد ما تزال باقية في النفوس إلى الأبد. د. علي القحيص مدير مكتب صحيفة «الرياض» في الإمارات