ليس غريباً على فارس الأخلاق النبيلة، أن يدعو إلى تربية النشء، بما يليق وأخلاقنا العربية الأصيلة، أما مناسبة هذا الحديث فهي المبادرة التي أطلقها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، بدعم العملية التعليمية بمادة «التربية الأخلاقية» في المناهج والمقررات الدراسية، وذلك بالتعاون والتنسيق مع وزارة التربية والتعليم ومجلس أبوظبي للتعليم وباقي المؤسسات ذات الصلة. والحقيقة أن مبادرة كهذه لا تستدعي التوقف عندها فقط وإنما تستدعي أيضاً أبحاثاً كاملة لبيان أهمية التربية الأخلاقية ودورها في تربية النشء وتطوير المجتمع، بل وتحصينه من الآفات الاجتماعية الخطيرة التي تودي بأي مجتمع إلى التهلكة. لقد أدرك صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد، بحكمته وبعد النظر الذي يميزه، أن أي بناء حضاري لا قيمة له ما لم يدعمه الخلق والتربية الحسنة التي تصنع من الشباب قيمة أخلاقية وقوة معطاءة، فالتربية الأخلاقية في ظل الأوضاع الراهنة في العالم، حيث غزت العولمة مختلف الثقافات، وخلطت الأوراق بين كل الشعوب، تمثل تحصيناً حقيقياً للناس، وبشكل خاص فئة الشباب إزاء كل الأمراض الاجتماعية التي قد تصيبهم. أما كون المبادرة ذات طابع تربوي فينبع من كون التربية الأخلاقية تبدو الآن هي الوسيلة الوحيدة التي تحمي المجتمعات من جهة، وتساهم في بث الروح الأخلاقية الصحية والسليمة في النفوس. كما أن الأخلاق يمكن أن تكون عامل الدفع الرئيس في بناء حضارات الأمم، لأن أي ديمومة وبقاء لأي أمة مهما كان شأنها مرهونة بمدى محافظتها على قيمها النبيلة وأخلاقها الفاضلة وتمسكها بمبادئها السامية العظيمة التي تأتي تجسيداً وإعلاءً للقيم الحضارية والأخلاق الإنسانية النبيلة. وقد أدرك صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد، بفضل سعة الاطلاع والإخلاص في النية والعمل، الدور المهم والمؤثر المتنامي للمؤسسات التعليمية في إعداد النشء وتربيته وبناء شخصيته بناء قويماً من خلال تعزيز القيم الرفيعة والمثل العليا في نفوس الجيل الحالي والأجيال القادمة، حتى تسلك هذه الأجيال نهجاً قويماً وتستشرف آفاق المستقبل من أجل بناء مستقبل أفضل، مشرق ومميز. فمادة التربية الأخلاقية ليست مجرد مادة تضاف إلى المنهاج التعليمي، وإنما تعبر أيضاً عن أسس ونهج جديد في التعليم، الذي كان مبنياً على المواد العلمية النظرية والعملية، بعيداً عما هو أهم من ذلك بكثير وهو شخصية الطالب، وكيفية إعداده للنجاح مجتمعياً ومهنياً. وبالتأكيد فإن صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد وجد بهذا الاقتراح الطريق الأقوم والأهم لتفعيل الآلية التعليمية، وتعزيز دورها، ليس فقط بموادها العلمية وإنما أيضاً بإعادة التفكير في آلية العملية التعليمية، كي تؤتي أكلها، ولا تؤتي أكلها إلا عبر توجه أخلاقي يعرف معنى قيمة العلم والمعرفة، ومن نور علمه يستطيع إضاءة الجوانب الكثيرة في الحياة وصولاً إلى هدف العملية التعليمية الأول والأخير وهو بناء الإنسان، متمثلاً بذلك روح وعقل القائد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله، الذي أكد منذ اللحظات الأولى لقيام دولة الإمارات على أهمية الفرد في بناء المجتمع والمحافظة عليه، ومن هنا فإن صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد، يؤكد ما دعا إليه الراحل الكبير الشيخ زايد بن سلطان، الذي كرم المتعلمين ودعا إلى نشر العلوم والمعرفة. ولكن اللافت هنا أن فكرة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد، تأتي في وقت عصيب يشهده عالمنا العربي، حيث تنتشر آفة الإرهاب والتطرف والغلو والتشدد، التي تشرب من معين لا يمكن أن يكون نظيفاً أبداً. وتشمل مادة التربية الأخلاقية خمسة عناصر رئيسة هي الأخلاقيات والتطوير الذاتي والمجتمعي والثقافة والتراث والتربية المدنية والحقوق والمسؤوليات، ناهيك عن أنها تتضمن تشكيل لجنة لاعتماد أطر منهجية ومعايير مناسبة لإعداد مادة «التربية الأخلاقية» بما يتوافق مع الهوية الوطنية الثقافية والعادات والتقاليد الإماراتية لكي تسهم مع جهود مختلف المؤسسات والهيئات في وضع أسس علمية ومضامين تربوية وبرامج مدروسة وآليات عمل تضمن تكامل هذه المادة الحيوية مع باقي المقررات الوطنية والدراسية. كما تؤكد هذه المبادرة على أن دور المدرسة التربوي آخذ في التعاظم أكثر أي مرحلة أخرى، ما يعني مهمات إضافية جديدة تطور أداء العملية التربوية برمتها، وهذا هو ما سعى إليه صاحب السمو ولي عهد أبوظبي. وأخيرا وليس آخراً، وبعد الإشادة العالية التي نرفعها وقد رفعها كثيرون من المهتمين بالعمل التربوي إلى صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد، لاشك أن ما ذهب إليه هذا الرجل النبيل الفذ، سيعطي العملية التربوية دفعاً جديداً، يمنح الجوانب التربوية والتنشئة الوطنية ما تستحقه من أولوية مهمة في مجتمع ناشئ، يحتاج إلى غرس البذور الصحيحة في المكان الصحيح، وتدعيم وترسيخ قيم الانتماء الوطني المرتبط بقيم النزاهة والأمانة وحب الخير، حيث إن تنشئة سليمة ستصنع بالتأكيد أجيالًا مدركة وواعية تضع الوطن في المكانة الرفيعة التي يستحق، وتعلو وتسمو بالإنسان، صانع الحضارات والمجد والتاريخ.