أدلت هيلاري كلينتون بتصريح وثيق الصلة لأقصى حد بالسباق الانتخابي الأميركي الحالي عندما تساءلت: «قد تتساءلون لماذا لا أكون متقدمة بـ50 نقطة على منافسي»؟ في الحقيقة إننا قد نتساءل! فهيلاري تخوض سباقاً أمام رجل تقل نسبة تأييده عن 40 في المئة، وتعد نسب رفضه هي الأعلى على الإطلاق مقارنة بأي مرشح رئاسي في التاريخ الأميركي. فعدد الأميركيين الذين يحسون أن دونالد ترامب مؤهل لأن يكون رئيساً، لا تزيد على 38 في المئة في فقط، حسب المسح الذي أجرته جامعة «كوينيبياك» مؤخراً. وترامب -عملياً- ليست لديه حملة يمكنه الحديث عنها، في حين أن هيلاري لديها حملة محترفة للغاية. وهيلاري أيضاً تكتسح ترامب على موجات الأثير. فوفقاً لمسح أجرته وكالة «Advertising Age» تبين أن قيمة الإعلانات المؤيدة لهيلاري التي عُرضت في التلفاز والإذاعة بلغت 145 مليون دولار، في حين لم تزد قيمة الإعلانات المؤيدة لترامب على 4 ملايين دولار فقط. في الوقت نفسه تهب علينا فضائح ترامب مثل الأعاصير في ذروة موسمها في المناطق الاستوائية. فلا يكاد يمر أسبوع دون أن يلطخ ترامب سمعته بدرجة أعمق من السواد. وهو أيضاً رجل لم يتوقف عن إطلاق الأكاذيب خلال العقود العديدة الماضية، ولكن كل هذه الأكاذيب يجب أن تنحني خجلاً أمام الأكاذيب الهائلة المضادة، لكل منطق التي قالها مؤخراً، بشأن الهراء الذي كان يتبناه المشككون في مكان ميلاد أوباما. مع ذلك فإن الفارق بينه وبين هيلاري يتراوح ما بين نقطتين إلى ثلاث نقاط فقط، على المستوى الوطني في حين يتقدم عليها في طائفة من الولايات المتأرجحة الرئيسية، ما تفسير ذلك؟ «تايلر كوين» أستاذ الاقتصاد بجامعة «جورج ماسون» جمع مؤخراً بعضاً من النظريات المثيرة للاهتمام في تدوينته الشخصية على الإنترنت المعنونة «الثورة الهامشية» مؤداها باختصار كما قال: «إن أميركا ليس مستعدة بعد للقبول بامرأة كرئيسة للولايات المتحدة، وإن الديمقراطيين لديهم اقتراحات عديدة متعلقة بالسياسات، ولكن الجمهوريين يخوضون السباق بالتركيز أكثر على الأفكار الكبيرة، وأن البلد الأكثر تنوعاً يكون عادة أكثر استقطاباً، وأنه خلال الأسابيع القليلة الماضية، عاد الكثير من الجمهوريين لتأييد مرشحهم». بالنسبة لي أرى بعض الحقيقة في هذه النظريات، خصوصاً الأخيرة، ولكن تفسيري الوحيد لتلك النظريات هو: إن عالم كلينتون عبارة عن منظومة شبه مغلقة، تعمل وفقاً لروزنامتها الخاصة. أما دونالد ترامب فعلى الرغم من أنه لا خلاف على أنه إنسان لا يطاق، فإنه مع ذلك يعيش في القرن الحادي والعشرين، تماماً مثل «بيرني ساندرز». لمزيد من التوضيح أقول إنه في القرن الحادي والعشرين تدور السياسة حول محور مختلف. وهذا المحور لا يدور حول اليسار/ اليمين، ولا الحكومة الكبيرة/ والحكومة الصغيرة، وإنما حول الانفتاح والدينامكية مقابل الانغلاق، والحرص البالغ على الأمن، بين هؤلاء الذين يرون فرصة وإثارة فيما يعرف بما يعرف ب»منظومة الجدارة«Meritocracy البازغة، والعولمة، والمتعددة الأعراق، في مقابل هؤلاء الذين يرون حياتهم ومجتمعاتهم مهددة من قبل هذه المنظومة. عالم كلينتون عبارة عن شبكة متداخلة عمرها عقود تتكون من المانحين، والأصدقاء، الذين لم يدركوا تماماً التغيرات الجوهرية التي طرأت على العالم، وهو أيضاً عالم دفاعي، غير واثق في الآخرين، ومصمَّم لتجنب الأخطاء في المقام الأول. وأسلوب هيلاري غير المتماشي مع العصر كلفها الكثير من أصوات جيل الألفية. وإذا ما خسرت الانتخابات الحالية، فإن ذلك سيكون نتيجة لأن الناخبين الأحدث عمراً، لا يحسون أنهم مرتبطون بها. أرجو لا تفهموني خطأ. فما زلت أعتقد أنها ستتمكن في نهاية المطاف من تأمين فوز صعب في هذه الانتخابات. كل ما أتمناه أن تكون إدارتها أقل تحفظاً، وأكثر ارتباطاً بالعصر. ديفيد بروكس محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»