عكفت على التفكير لفترة طويلة في أفضل ما يتصوره منتخبو ترامب، ومن بينهم مؤيدة لم يكن دافعها العنصرية أو التصعب عندما صوتت للرئيس المنتخب، وإنما مواطنة أرادت شخصاً يجري تغييراً على الأنظمة التي ظلمتها، وأرادت رئيساً يغير نظام المدارس الحكومية الذي يخدم أبناء الأساتذة والصحفيين والمحامين، لكنه يترك أبناءها بمهارات أقل ومن ثم أجور متدنية. وكل ما احتاجته هو وسيلة ما لحماية نفسها من المسؤولين التنفيذيين في قطاع التكنولوجيا الذين يدلون بخطابات مثيرة للحماسة حول الاختلالات، لكنهم لا يعرفون أي شيء عن الأشخاص الذين يتأثرون حقيقة بالاختلالات. وتلك السيدة واحدة من الناس الذين كتب عنهم «جون ويليامز» في دورية «هارفرد بزينس»: «إنهم معجبون بالأثرياء، لكنهم يزدرون المتخصصين، كالمعلمين الذين تكبروا عليها والأطباء الذين لم يخصصوا وقتاً لها، والنشطاء الذين يبدو أن تعريفهم للعدالة الاجتماعية لا يشمل الأشخاص الذين واجهوا مثل تجربتها». وهذه الناخبة تريد قادة حازمين وواثقين من أنفسهم بما يكفي لمواجهة الخلل المتفشي، وتحتاج إلى تغيير فلسفي في المسار، وهو ما يعرضه ترامب أيضاً. أما مؤسستا الحزبين، الجمهوري والديمقراطي، فغارقتان في تكلساتهما المعتادة، في حين أن ترامب وتعييناته يجسدون القومية التي تبناها «بات بوكانان»، أبرز المفكرين المؤثرين في الولايات المتحدة حالياً. وتتجسد الرؤية العالمية التنظيمية لـ «بوكانان» في صميم شخص «ستيف بانون»، الذي قال في حواره مع «هوليوود ريبورتر»: «إن أنصار العولمة أحبطوا الطبقة العاملة الأميركية وأنشؤوا الطبقة المتوسطة في آسيا»، مضيفاً: «إن الحركة السياسية الجديدة تتمثل في كل شيء يتعلق بالوظائف». وتعهد بإثارة غضب المحافظين من برنامج الإنفاق العملاق الرامي إلى توفير فرص العمل، وأكد أنه سيستخدم تلك الأموال في إيجاد «عهد جديد» سيفوز بأصوات ما يزيد على 40 في المئة من الناخبين السود وذوي الأصول اللاتينية، ليوجد بذلك أغلبية «جاكسونية جديدة» تحكم طوال نصف القرن المقبل. ورغم أني لا أحبذ هذا المسار، لكني أستطيع أن أتفهم لماذا يتقبل بعض الناخبين الطيبين شخصيات «ترامب» و«بوكانان» من أجل المضي قدماً فيه. ولعل التفكير في هذه الناخبة ساعدني على التوقف عن التفكير بانفعال. وكثير من منتقدي ترامب يعربون عن غضبهم وخيبة أملهم وارتباكهم أو استيائهم، لكنهم يتحركون أو يكتبون مقالات. ويبقى السؤال هل ينبغي التعامل مع ترامب بطريقة عادية أم أن نعادي من يعاملونه كذلك؟ والحقيقة، أن كل ذلك يبدو بلا جدوى في هذه المرحلة الانتقالية، فكلها مجرد انفعالات واستعراضات ومناقشات نرجسية. ويبدو أن أفضل ما نفعله هو أن نستفيد مما تعلمنا في هذه الانتخابات. ويبدو أنها مرحلة عدم الاستغراق في التفاصيل، فمن الحماقة أن يكون لنا رد فعل على كل تغريدة لترامب. ومن السخافة أن نتعامل مع السياسة والحكم وفق الأسس الثقافية، وكأنها منافسة شعبية في المدرسة الثانوية. ----------------------- *محلل سياسي أميركي --------------------------- يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»