صدق أو لا تصدق، لن يتعين علينا قضاء السنوات الأربع المقبلة في الخوض في ملف التجسس الروسي، فعند نقطة معينة سيكون أمامنا نقاش مثير بشأن مسألة أكثر أهمية تتعلق بسياسة الرعاية الصحية. ومن المتوقع أن يحاول الجمهوريون استبدال قانون الرعاية الصحية «أوباماكير»، وبذلك يؤكدون للديموقراطيين أن هناك رعاية صحية. وربما يوافقون على تغطية جميع من يشملهم قانون «أوباماكير»، بيد أنهم سيحاولون القيام بذلك باستخدام آليات أكثر ملاءمة للسوق. ومعلوم أن نظام الرعاية الصحية الأميركي لا يشبه سوقاً عادية، فعندما تتخذ معظم القرارات المتعلقة بالرعاية الصحية، فإنك لا تحصل على معلومات تذكر بشأن التكلفة والجودة المقارنة، ومشروع القانون الشخصي الذي تحصل عليه مرتبط فقط بشكل غامض بالخدمات، والنفقات غالباً ما يتم تحديدها على أساس عدد الإجراءات التي تمت، وليس على ما إذا كانت المشكلة قد تم حلها. وسيحاول الجمهوريون تقديم مزيد من حوافز السوق العادية في هذه العملية، وقد يعتمدوا على إعفاءات ضريبية يمكن استردادها وحسابات المدخرات الصحية حتى يتسنى للجميع شراء نظم التأمين والرعاية الخاصة بهم. والسؤال هو: هل تعمل حوافز السوق في مجال الرعاية الصحية؟ وهل تساعد آليات السوق على تحسين النوعية وخفض التكاليف؟ وهل يريد الناس تحمل عبء التسويق للرعاية الصحية، أم سيحملون هذه القرارات على شخص آخر؟ يقول معظم التقدميين إن الأسواق لا تعمل، ويشيرون إلى مقال شهير كتبه «كينيث أرو» في مجلة «إيكونوميست» عام 1963. فقد ذكر «أرو» أن هناك سمات عديدة تجعل الرعاية الصحية لا تشبه الأسواق العادية، فاحتياجات الناس للرعاية الصحية لا يمكن التنبؤ بها، بعكس المأكل والملبس. والعلاقة بين الطبيب والمريض هي علاقة فريدة من نوعها وتتطلب مستوى عالياً من الثقة والتعاطف والرعاية. والموردون يعرفون الكثير عن العقاقير أكثر مما يعرف المرضى، وإننا نضع حياتنا في أيدي شركات تهدف إلى تحقيق الربح دائماً. لقد أمضيت وقتاً في محاولة التعلم من ميكانيكي في مجال الطيران كيف تعمل الشركات المصنعة بجد لمنع أجزاء معدنية من اختراق كابينة القيادة حال انفجار المحرك، لذا فالطائرات آمنة بشكل غريب. وأنصار الرعاية الصحية القائمة على السوق يعتمدون على النظرية بدرجة أقل مما يعتمدون على البيانات، وقد قرأت استعراضاً موضوعياً للدلائل ورد في تقرير «ماكنزي» الذي أعده «بينيلوب داش» و«ديفيد ميريديث»، حيث أشارا إلى أن قوى السوق تؤدي أحياناً إلى نتائج أسوأ، «لكن أكثر ما صدمنا هو الأنظمة الصحية، حيث أدت منافسة تمت إدارتها بكفاءة بين الموردين إلى تحسين النتائج واختيار المريض بشكل ملحوظ، مع خفض تكاليف النظام في نفس الوقت». هناك أبحاث كثيرة تشير إلى أن الناس قادرون على التصرف كمستهلكي الرعاية الصحية الأذكياء. وخلص بحث أجراه «أميتاب تشاندرا»، من جامعة هارفارد، إلى أن المستشفيات عالية الأداء تحظى بنصيب أكبر من السوق بمرور الوقت. وإلى ذلك فإن مقدمي الرعاية الصحية يعملون جاهدين لمواكبة المنافسين. وعندما يصبح أحدهم أكثر إنتاجية، فإن الآخرين يميلون لأن يكونوا كذلك. وهناك أمثلة كثيرة توضح كيف أدت المنافسة في السوق إلى تحسين الرعاية الصحية المقدمة. ومن هذه الأمثلة برنامج «ميديكير بارت دي»، الذي أنشأه جورج دبليو بوش وخلق منافسة في تغطية تكاليف العقاقير. وقدم البرنامج تغطية للملايين بتكلفة أقل بنسبة 57% مما توقعه مكتب الموازنة في الكونغرس. ووجدت دراسة لحسابات التوفير الصحية في ولاية أنديانا أن نفقات الولاية انخفضت بنسبة 11%. أما جراحات العيون باستخدام الليزر فتحظى برضا المرضى أكثر من الجراحات العادية، بيد أن التأمين الصحي لا يغطي نفقاتها، لذا يتم إجراؤها في السوق الحرة. وقد انخفضت خلال عشرين سنة من 2200 دولار إلى 250 دولاراً للعين. وهناك أدلة كثيرة على أن حوافز السوق ستعمل في مجال الرعاية الصحية، لاسيما في مجال رعاية الأمراض غير الحادة، وربما تكون المشكلة الأصعب للجمهوريين في هذا الخصوص مشكلة سياسية.