لو تسنى للمرء أن يمنح دونالد ترامب خصلة واحدة تساعده في رئاسته، فماذا كانت ستكون تلك الخصلة؟ في البداية فكرتُ في «التعقل»، إذ كنت أعتقد أن التعقل هو أهم فضيلة يمكن للمرء أن يمنحها لترامب، فالتعقل هو القدرة على التحكم في النفس باستخدام العقل. إنه القدرة على كبح الاندفاع والنزوات في سبيل أهداف طويلة المدى، والقدرة على فهم الظروف المعينة التي يوجد فيها، وإجادة فن الإبحار معها. وكنتُ أعتقد أنه إذا أصبح الرئيس ترامب متعقلاً، فإنه سيكف عن إمضاء أوقاته في إرسال تغريدات غاضبة على «تويتر» للتنفيس عن استيائه، وسيتوقف عن قضاء مساءاته في معاداة زعماء أجانب والمجازفة بتفجير حرب نووية، وكما يقول الفيلسوف الفرنسي أندريه كونت سبونفيل، فإن التعقل «هو ما يميز العمل عن النزوة، والأبطال عن الأشخاص المنفعلين». لكن كلما فكرتُ في الأمر، وجدت أن التعقل ليس أهم صفة يحتاجها ترامب، فهذا الأخير يبدو مصمماً على «تغيير» النظام العالمي القائم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، ببناء الجدران، وإهانة الحلفاء، وطرد الأجانب واللاجئين. وإلى ذلك، فإن المشكلة الحقيقية بالنسبة لترامب تبدو أكثر عمقاً، ذلك أننا معتادون على معاملة السياسيين كوسائل لنقل الفلسفات السياسية ومجموعات المصالح، لكن في حالة ترامب، فإن فلسفته الشعبوية كثيراً ما تتراجع إلى الوراء لتفسح المجال للجروح النفسية التي يبدو أنها تدفعه إلى حالة من الحرب الدائمة مع أعداء في كل مكان. إن أفكار ترامب تقوم على تصور أن العالم مكان قاتم وموحش، وبالتالي فثمة حاجة للقساوة والأنانية وعدم الرحمة من أجل العيش فيه. إنه الاقتناع الراسخ، مثلما يقول ترامب، بأن معدلات جرائم القتل ارتفعت إلى مستوى لم نر له مثيلاً منذ 47 عاماً، رغم أنها في الحقيقة انخفضت إلى أدنى مستوى لها منذ 57 عاماً. وهي أيضاً الاقتناع الراسخ بأننا منخرطون في حرب ضروس ضد «إرهاب الإسلام المتشدد»، رغم أن ثمة عدداً من مشاكل السياسة الخارجية ربما تكون هي الأهم. والواقع أنه من غير الواضح ما إن كان ترامب يميل للشراسة والهجوم لأنه يرى العالم خطيراً، أو ما إن كان يعتبر العالم خطيراً لأن ذلك يبرر شراسته ونزعته الهجومية، غير أنه في كلتا الحالتين فإن «الترامبية» موقفٌ يؤدي إلى الدورة التي باتت الآن مألوفة: تصور التهديد، الإهانة، صنع الأعداء، الإحساس بالظلم، الرثاء للذات، الهجوم، والهجوم المضاد. وعليه، وبعد التفكير ملياً، وجدتُ أن السمة التي قد أمنحها لترامب هي خصلة عاطفية: خصلة الإخاء، فتخيل أنه يوجد أمام أزمة لا يعرف كيف يتعامل معها بمفرده، وأن السبيل الوحيد للخروج منها هو اللجوء إلى آخرين طلباً للمساعدة، ثم عيش شعور الدعم والمؤازرة من قبل الآخرين. تجربة أتمنى أن تتمخض عن قدرة الاتكال على الآخرين، والوثوق في أشخاص آخرين، والرغبة في أن تكون لدى المرء صحبة، ثم إن الإخاء هو الرغبة في اكتساب أصدقاء خلال المناسبات الجيدة والسيئة على حد سواء، وفي الوفاء لأولئك الأصدقاء، والشخص الذي يتحلى بالإخاء يسعى وراء التناغم والانسجام بين الأفراد، ويحاول نقل العالم من حالة توتر إلى حالة انسجام. ولا شك أنه لم يكن ضرورياً أن تكون لدى ترامب إدارة في حالة حرب مع الجميع، فقد وصل إلى الرئاسة بمهمة شعبوية، وكان بمقدوره تشكيل ائتلافات غير أورثوذوكسية، كما كان بإمكانه تزعم تحالفات غير متوقعة تكسر الشلل الذي يصيب حياتنا السياسية. ولم يكن ضرورياً أن تكون لديه إدارة تعاني من اقتتال داخلي يسرب فيها البعض معلومات ضد البعض الآخر، كما أنه ليس ضرورياً أن يبدأ كل يوم في صنع الأعداء: شركة نورستروم، جون ماكين، القضاة، وبدلاً من ذلك، يمكنه أن يستهل يومه بصنع أصدقاء. وبهذه الطريقة، يستطيع تنفيذ كثير من الأشياء في الواقع. والحقيقة أنني أستبعد أن يكتسب ترامب صفة الإخاء في المستقبل القريب، لكن أن تكون إنساناً يعني أن تحافظ على الأمل، وتؤمن حتى بأن شخصاً كبير السن وميالاً لتدمير الذات ما زال من الممكن أن يتغير ولو بنسبة 0,001%. ديفيد بروكس محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»