يستخدم اليابانيون كلمة «شينغ يو» بمعنى «الصديق الوفي». غير أن هذه الكلمة مشتقة من اللغة الكورية. وقد انتقلت إلى اليابان مع الكثير من المنتجات الثقافية الكورية، عندما كانت اليابان جزيرة منطوية، ومعزولة تخضع لحكم الإقطاع. وفي عام 1592 تعرضت كوريا لاجتياح ياباني واسع النطاق بقيادة القائد العسكري يوتومي هيريوشي على رأس قوة من 200 ألف مقاتل. واستمر الاحتلال الياباني سبع سنوات. وخلال تلك الفترة تعلم اليابانيون الكثير من الحِرف التي كان الكوريون يتقنونها، مثل صناعة الخزف والنسيج. وبعد الانسحاب الياباني، سويت العلاقات بين «هانغ يانغ» وهو الاسم القديم للعاصمة الكورية سيؤول، وبين «إيدو» الاسم القديم للعاصمة اليابانية طوكيو. وبدأت بعثات كورية تتدفق إلى اليابان منذ القرن السابع عشر حاملة إليها أحدث الإنتاج الكوري من المنتوجات الصناعية اليدوية ومن المفردات اللغوية التي دخلت إلى اللغة اليابانية، وكان من بينها كلمة «شينغ يو». وعلى مدى قرنين من الزمن كان يتدفق إلى اليابان من كوريا، فنانون وشعراء وأدباء ومهندسون وفرق موسيقية وبهلوانية. وكان اليابانيون يتجمعون على طول الشوارع لاستقبال هذه الوفود والترحيب بها. وقامت العلاقات الكورية- اليابانية منذ ذلك الوقت على قاعدة «الصديق الوفي» إلى أن تعرضت كوريا لاحتلال ياباني ثانٍ استمر من عام 1910 وحتى انتهاء الحرب العالمية الثانية في عام 1945. ولعل أسوأ ما حدث خلال فترة الاحتلال الطويلة، مصادرة نساء كوريات للترفيه عن الجنود اليابانيين. ويقدر الكوريون عدد الضحايا من هؤلاء النساء بعشرات الآلاف. وقد اعترفت اليابان بـ«الجريمة الأخلاقية» واعتذرت عنها، وإن أكدت أن أرقام الضحايا مبالغ فيها، وعوضت على عائلات الضحايا (وحتى عام 2015 كان لا يزال بعضهن على قيد الحياة)، إلا أن كوريا لم تعد تنظر إلى اليابان على أنها «شينغ يو». واليوم يتصارع الجاران اللذان تفصل بينهما مسافة 500 كيلومتر فقط عبر مضيق تسوشيما، حول مجموعة من الجزر الصخرية الصغيرة وغير المأهولة، وهي جزر «دوكو» كما يسميها الكوريون أو «تاكشيما» كما يسميها اليابانيون. ويعود أساس الخلاف حول تحديد الهوية الوطنية للجزر إلى فترة الاحتلال الياباني الأول في عام 1910. وذلك أنه لا اليابان ولا كوريا اهتم بهذه الجزر أو استوطن فيها. ولا يعني هذا الخلاف أن العلاقات مقطوعة بين الدولتين، فالوفود الكورية لا تزال تتدفق على اليابان. وتقول السيدة اليابانية الأولى «آكي آبي» إنها تحتفظ في بيتها بصورة دائمة بكمية من مربّيات الكيمشي (الملفوف المخلل) الذي تعرفت عليه اليابان منذ أكثر من مئة عام عن طريق كوريا ليصبح الطبق الدائم في المطبخ الياباني. إلا أن هذه العلاقات أبعد ما تكون اليوم عن مفهوم «الصديق الوفي». فقد تعمد الكوريون صناعة تمثال برونزي لامرأة ترمز لضحايا الاغتصاب ونصبوه في عام 2011 أمام السفارة اليابانية في سيؤول. وكان رد فعل اليابان أن سحبت سفيرها احتجاجاً.. ولا تزال السفارة اليابانية من دون سفير حتى اليوم! غير أن لليابان وكوريا (الجنوبية) اليوم عدواً مشتركاً هو كوريا الشمالية التي تملك ترسانة من الأسلحة النووية والصاروخية بعيدة المدى. ولكن لم يخفف هذا الخطر المشترك من وطأة الصراع بين طوكيو وسيؤول، فقد تجدد مؤخراً حول تمثال صغير لبوذا تمكن «لصوص» كوريون من سرقته من داخل معبد «كانونيل» البوذي في مدينة تسوشيما اليابانية. ويدّعي الكوريون أن التمثال الذي صنع في القرن الرابع عشر مسروق في الأساس من كوريا! وعلى رغم أن سلطات الأمن تمكنت من اكتشاف اللصوص ومن استعادة التمثال المسروق، إلا أن القضاء الكوري حكم بعدم إعادته إلى اليابان بحجة أنه من الممتلكات الكورية الوطنية المسروقة! ولم يسمح للسياح الكوريين من مدينة بوسان الجنوبية بزيارة مدينة تسوشيما اليابانية إلا بعد أن طالبوا السلطات في بلادهم بإعادة التمثال.. وهو الأمر الذي لم تستجب له الحكومة التزاماً منها بحكم القضاء! ويتحكم في العلاقات بين طوكيو وسيؤول تمثال بوذا مسروق من هنا أو هناك.. أو تمثال لامرأة كورية مغتصَبة خلال الحرب.. أكثر مما يتحكم فيها صاروخ يحمل رأساً نووياً يهدد كليهما بحركة إصبع من الرئيس الكوري الشمالي!