كان للتطرف الإسرائيلي على مدى مائة عام دور خطير في دفع التطرف المضاد إلى ساحات الصراع، وفي حين يرفض العرب في الموقف الرسمي كل دعوات التطرف نجد إسرائيل تدعم التطرف اليهودي وتمنحه المبررات الإيديولوجية، وهي التي تدعي العلمانية، ولكنها في السلوك السياسي وفي صلب عقيدة الدولة تجسد حالة فريدة من التعلق بأوهام التاريخ وتحفر حول الأقصى منذ عقود بحثاً عن الهيكل لتبرر هيكل الاحتلال الاستيطاني الذي دخل عامه السبعين دون أن يتمكن من تبرير وجوده الحقوقي أو الأخلاقي. ومن حسن الحظ أن إسرائيل لم تتمكن من الإفادة الذكية من حالات انهيار النظام العربي التي بدأت مع انفجار المتغيرات الدولية واجتاحت العالم، وسقط إثرها الاتحاد السوفييتي، حتى وصلت تداعياتها إلى انفجار الثورات العربية التي طغت سلبياتها على المشهد العربي، وبخاصة حين استغلها التطرف الديني المفتعل، متحالفاً في الهدف مع قوى الاحتلال التي وجدت فرصة مناسبة لتمكين الاستبداد كما فعلت إيران في دفاعها عن الاستبداد في العراق وسوريا واليمن. وكما فعلت روسيا حين وقفت منتصرة لنظام ارتكب ضد شعبه ما ليس له سابقة في التاريخ، وأحسب أن روسيا بدأت اليوم تدرك خطأها وتسعى إلى تحسين صورتها في إعلانها البحث عن حل سياسي ولكن للأسف ضمن رؤية تحافظ فيها على النظام، وهذا ما يجعل مسعاها فاشلاً. أما إسرائيل فقد ضيعت فرصة كبرى حين اتجهت إلى إذكاء الصراع الشيعي السني بدل أن تتجه إلى إحلال السلام والوصول إلى حل سياسي للقضية الفلسطينية والاستجابة للمبادرة العربية التي لقيت قبولاً دولياً. وكان بوسع إسرائيل أن تفيد من التبدلات الكبرى في المزاج العربي عامة، وبخاصة حين انتقلت مشاعر الكراهية والغضب العربي إلى إيران وبات المسلمون عامة يرون في المشروع الفارسي خطراً أكبر من خطر إسرائيل على مستقبل أمتهم وأنها مع حلفائها ارتكبت من الجرائم والمجازر ما لايقل خطراً عما فعلته إسرائيل إن لم يكن قد فاق ما فعلته. لقد حاولت إسرائيل أن تظهر محايدة في القضية السورية، ولكنها في الحقيقة أسهمت بشكل كبير في إجهاض أحلام السوريين في نيل الحرية والكرامة، وتعتبر زيارة بوتين إلى تل أبيب بداية الخطة العسكرية لمواجهة انتفاضة الشعب السوري، كما أن اطمئنان «حزب الله» إلى موقف إسرائيل المؤيد لدخوله إلى سوريا جعل الحزب يغادر مواقعه ويخلي ساحته ويتجه بكل قواه إلى سوريا ويرى الطريق إلى القدس يمر بحلب. وقد جاءت الإجراءات الإسرائيلية التعسفية الأخيرة في منع المصلين من الصلاة في المسجد الأقصى معبرة عن الصلف الإسرائيلي التاريخي، وهو لم ينجح رغم كل الغطرسة الإسرائيلية وبخاصة في العدوان المستمر على الأقصى، فحين قام المتطرف الشهير مايكل دينيس روهان بحرق المسجد الأقصى عام 1969 اشتعل العالم الإسلامي غضباً، ودعا الملك فيصل، رحمه الله، إلى تأسيس منظمة المؤتمر الإسلامي بعد مؤتمر الرباط. وحين قام شارون باقتحام المسجد الأقصى عام 2000 انفجرت الانتفاضة الفلسطينية الثانية واستمرت خمس سنوات، وسميت انتفاضة الأقصى. وفي الانتفاضة الثالثة شدد الإسرائيليون القيود على دخول الفلسطينيين إلى المسجد الأقصى، ولم تنجح ولن تنجح محاولات إسرائيل في منع المسلمين من مسجدهم وهو قبلتهم الأولى والمسجد الذي تشد إليه الرحال. لقد كان الأقصى على مدى التاريخ عصياً على الهدم والتدمير، وقد تمكن الصليبيون من احتلاله فترة طويلة، ولكن المسلمين استعادوه، وحرره صلاح الدين، ونقل إليه منبر نور الدين. والعالم كله اليوم يعترف بحق المسلمين بمسجدهم وقد أصدرت اليونسكو في العام الماضي قراراً باعتبار هذا المسجد أحد المقدسات الإسلامية ولم يذكر القرار أية علاقة بين اليهود والأقصى، وسيدرك الإسرائيليون أن عدوانهم على الشعب الفلسطيني وعلى المسلمين في العالم سيجعل الصراع أبدياً، ومحال أن يتنازل الفلسطينيون والمسلمون في العالم عن حقهم.