هل يمكن أن تقوم وحدة وطنية في دولة يقدس بعض أهلها البقر، ويستسيغ بعضهم الآخر أكل لحومه؟.. هل من أجل ذلك انقسمت شبه القارة الهندية؟ وحتى الأمس القريب كان المسلمون في الهند يرعون الأبقار ويعيشون على حليبها ولحومها. أما اليوم فقد تغير الوضع. لقد صدر قانون بتحريم ذبح البقر وبتجريم أكل لحومها. بل إن القانون الجديد يحظر التعرض لها في الشارع. لقد ألغيت المسالخ وألغيت محال بيع اللحوم. وأقرت عقوبات مالية، وبالسجن، على كل مخالف. وبسبب قدسية البقر لدى الهندوس فإن الحيوانات المفترسة كالأسود والنمور في حديقة الحيوانات في العاصمة دلهي بدأت تتغذى على الدجاج وليس على لحوم الأبقار! لقد عاش الهندوس والمسلمون معاً أجيالاً عديدة تحت الحكم الإسلامي. وعاشوا أجيالاً عديدة أيضاً تحت الحكم البريطاني. وعاشوا أكثر من سبعين عاماً تحت الحكم الهندوسي (بعد الانفصال). ولكن لم تطرح هذه القضية طوال هذه الحقب الطويلة على اختلافها بالشكل وبالحدة اللذين تطرحان بهما الآن. فما الذي تغيّر؟ لقد تبوأ السلطة في الهند حزب هندوسي متشدد هو حزب «بهاراتيا جاناتا» الذي يتزعمه رئيس الحكومة مودي. وكان مودي حاكماً لولاية، هي أكثر الولايات الهندية كثافة بالسكان. وأثناء فترة حكمه لها وقعت أعمال عنف ذهب ضحيتها مئات المسلمين على خلفية دينية. وقد اتهم مودي يومها بالمسؤول عن ذلك. حتى أن الولايات المتحدة أدرجت اسمه على القائمة السوداء ومنعت دخوله إلى أراضيها. ولم تلغِ الإدارة الأميركية هذا القرار إلا بعد أن أصبح، وبأكثرية كبيرة، رئيساً للحكومة الهندية على رأس حزبه الهندوسي المتشدد. والآن يرفع هذا الحزب شعار تحويل الهند إلى دولة هندوسية. بمعنى فرض المبادئ والعادات والتقاليد الهندوسية على الجميع، بما في ذلك تقديس البقر.. وتتمثل الخطورة الأولى نحو ذلك بتحريم أكل لحومه.. أو حتى التعرض له في الشارع. وفي الهند، كما في كثير من الدول الأخرى، تشكل تربية المواشي، وخاصة البقر، مصدر رزق تعتمد عليه العائلات في الأرياف. وذلك بسبب الإفادة من حليبها ومن إنجابها، ثم من لحومها وجلودها عندما يتقدم بها العمر. وحظر تربية البقر يعني حرمان هذه العائلات من مصدر عيشها الوحيد، الأمر الذي يعرضها لمزيد من الفقر.. وربما حتى المجاعة. ويحرم المسلمون لحم الخنزير، ولكنهم لا يفرضون هذا التحريم على غيرهم، سواء في إندونيسيا أو ماليزيا حيث توجد جاليات هندوسية كبيرة. ويحرم المسيحيون لحم الكلاب ولكنهم لا يفرضون التحريم على الآخرين وخاصة على الكوريين والصينيين الذين قد يعتبرونه الطعام المفضل لديهم والأغلى ثمناً. ومن هنا تطرح هذه القضية علامة استفهام كبيرة: أين تنتهي حدود القداسة لدى البعض، وأين تبدأ حرية الاختيار لدى الآخرين؟ من حيث المبدأ لا يستطيع الهندوسي المؤمن بعقيدته أن يرى «مقدسه» يذبح ويسلخ ويؤكل لحمه مشوياً على مرأى ومسمع منه. ومن حيث المبدأ أيضاً لا يستطيع المسلم أو المسيحي المؤمن بعقيدته هو أيضاً أن يحرم من حق أباحه له دينه. فكيف يمكن إقامة أسس عيش مشترك بين أصحاب المبدأين في دولة وطنية واحدة؟ إن ثلث المسلمين اليوم، أي نحو 600 مليون مسلم يعيشون في دول وفي مجتمعات غير إسلامية. وأكثر من ثلث المسيحيين، أي نحو 800 مليون مسيحي يعيشون في دول آسيوية وإفريقية. فإذا لم تتوافر ثقافة احترام الاختلاف بين أهل الأديان والعقائد، فإن هذا الاختلاط قد يشكل قنابل موقوتة معرضة للانفجار من وقت لآخر تحت أقدام الجماعات الدينية المتعددة في الأجناس، والمتباينة في الاعتقادات. لقد سبق أن طرح هذا الموضوع في أحد المؤتمرات في منظمة اليونسكو في باريس، ولكن من دون التوصل إلى نتيجة. ولا يزال الموضوع مطروحاً أمام العديد من المراجع والمؤسسات الثقافية والدينية المختلفة. ومع ارتفاع موجات التشدد والتعصب الديني (إعلان الهند دولة هندوسية مثلاً)، فإن مقاربة هذا الموضوع تبدو أكثر صعوبة وأشد تعقيداً. وإذا لم يتحقق توافق ما حولها، فإن العديد من المجتمعات المختلطة معرضة للتمزق، وبالتالي إلى مواجهة صراعات وحروب أهلية مدمرة.