يعد ركود أجور الطبقة المتوسطة أكبر حقيقة اقتصادية تدفع السياسة الأميركية. وعلى مدى السنوات العديدة الماضية، بحسب الأقوال الشائعة، أدت الرأسمالية إلى العديد من العيوب الهيكلية. فالمكاسب الاقتصادية، لا يتم تقاسمها بصورة عادلة مع الطبقة المتوسطة. وأصبحت الأجور منفصلة عن الإنتاجية. وحتى عندما يحقق الاقتصاد نمواً، فإن كل شيء يذهب إلى الأغنياء. هذا السرد للواقع، والذي كررتُه مراراً وتكراراً، يفسر الأسباب التي جعلت الحزب الديمقراطي ينتقل من الوسط الليبرالي الجديد للرئيس السابق بيل كلينتون إلى يسار بيرني ساندرز. وهذا يفسر الأسباب التي جعلت الجمهوريين ينتقلون من يمين «ميت رومني» المؤيد للسوق إلى يمين دونالد ترامب الشعبوي. وقد برزت حركات من اليمين واليسار على حد سواء لإصلاح العيوب الهيكيلة المفترضة للرأسمالية، إما عن طريق التدخل جذرياً في السوق «كما يطالب بيرني» أو من خلال تضييق الخناق على المنافسة العالمية «كما هو الحال مع ترامب». لكن ماذا إذا لم تكن هناك عيوب هيكلية؟ وماذا إذا كان السوق يعمل بطريقة أو بأخرى كما هو المفترض؟ هذا بالتأكيد دليل من العامين الماضيين. وخلال هذا الوقت، تم تقاسم فوائد النمو الاقتصادي على نطاق أوسع. ففي عام 2015، ارتفع متوسط دخل الأسر بنسبة 5.2%. وكانت هذه هي أسرع زيادة من حيث النسبة المئوية منذ بدأ مكتب التعداد الاحتفاظ بالسجلات في ستينيات القرن الماضي. فقد زاد دخل النساء اللائي يعيشن بمفردهن بنسبة 8.7%. أما متوسط دخل الأميركيين من أصل إسباني فارتفع بنسبة 6.1%. وقفزت دخول المهاجرين بأكثر من 10%. وكانت تلك أخباراً جيدة بشكل خاص بالنسبة للفقراء. فحصة الدخل الإجمالي التي ذهبت إلى من هم أكثر فقراً زادت بنسبة 3%، بينما لم تتغير حصة الأثرياء. وفي هذا العام، تراجعت نسبة الفقر بواقع 1.2%، ما يعد أكبر انخفاض منذ عام 1999. وأصدر مكتب الإحصاء الأميركي لتوه أرقام عام 2016، حيث نجد الاتجاهات هي نفسها إلى حد كبير. فقد ارتفع متوسط دخل الأسرة بنسبة 3.2% «بعد التضخم» ليصل إلى أعلى مستوياته على الإطلاق. وتراجعت نسبة الفقر بأكثر من ذلك. والآن نجد أن نصيب الدخل القومي المخصص للعمال آخذ في الارتفاع، في حين أن الحصة المخصصة لرأس المال آخذة في الانخفاض. في الاقتصاد الذي يتمتع بأداء جيد، يكافأ العمال على إنتاجيتهم. ومع زيادة الإنتاج وفرص العمل وساعات العمل، كذلك يرتفع الدخل. وهذا ما يبدو أنه حدث بالضبط على مدى العامين الماضيين. والأدلة المستقاة من العامين الماضيين تدعم بقوة هؤلاء القائلين إن الدخل لم يقترن بالإنتاجية. وقد أعدت مجموعة كبيرة من خبراء الاقتصاد، من بينهم مارتن فيلدشتاين وستيفين روز وادوارد لازير وجواو باولو بيسوا، علاوة على فريق من «جولدمان ساكس»، دراسات توضح أن الأجور تتبع الإنتاجية بشكل متوقع إلى حدٍ كبيرٍ. وعلى النقيض من ذلك، كما يشير «نيل ايروين» من صحيفة «تايمز»، فإن الأجور أعلى قليلاً من التوقعات عند النظر لأرقام الإنتاجية والتضخم فقط. وباختصار، فقد لا تكون مشكلة ضغط الطبقة المتوسطة متعلقة بكيفية توزيع ثمار الإنتاجية، بل الحقيقة أنه لا توجد هناك زيادة في نمو الإنتاجية على الإطلاق. والمشكلة ليست في أن ثمار الإنتاجية لا توزع على الجميع، بل في أن هذه الثمار لا تنمو بسرعة كافية. ولمن يهمه الأمر، فإن «شون سبراج» لديه ملخص جيد للبيانات الواردة في إدارة «ما وراء الأرقام» بوزارة العمل. فهو يوضح بجلاء أنه خلال هذه الفترة من الانتعاش تحملنا نسبة ضئيلة من نمو الإنتاجية بلغت 1.1%. وبحسب بعض التقديرات، إذا واكبت زيادة الإنتاجية معايير منتصف القرن الـ20، فإن متوسط الدخول سيكون أعلى مما هو عليه اليوم بنحو 40 ألف دولار. وإذا كانت الإنتاجية نفسها هي المشكلة، وليس التوزيع، تكون هناك حاجة إلى سياسة مختلفة جذرياً عما نراه اليوم. إذا كانت الإنتاجية هي المشكلة، سنحتاج إلى مزيد من الدينامية، ومزيد من الانفتاح ومزيد من السياسات الموجهة للنمو وليس سياسات توجيهية وسياسات لإعادة التوزيع. وهناك أشياء قليلة يمكن للحكومة القيام بها لتعزيز الإنتاجية: زيادة المنافسة في السوق مع إنفاذ مزيد من عدم الاحتكار وعدد أقل من أنظمة الترخيص، والسماح بدخول مزيد من المهاجرين المهرة، والاستثمار بصورة أكبر في رأس المال البشري، ورفع الضوابط عن استخدام الأراضي الحضرية لتعود إلى مستويات 2008، وإدخال مزيد من حوافز السوق إلى القطاعات منخفضة الإنتاجية، مثل الرعاية الصحية والتعليم، وتمويل مزيد من الأبحاث في مجال التكنولوجيات الواعدة مثل أنظمة تخزين الطاقة. ديفيد بروكس محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»