حتى الآن، أظهر نهج الرئيس دونالد ترامب في أول حضور له في اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة، استيعاباً غير معتاد ودرجة عالية من الواقعية وضبط النفس النسبي. وفي هذا مفاجأة للبعض ممن دفعتهم معارضة ترامب لرميه بكثير من التوصيفات غير الصحيحة، مع الأخذ في الاعتبار خطاب ترامب القومي وموقفه غير الودي بصفة عامة تجاه الأمم المتحدة، لكن على منصة الحديث في قاعة الجمعية العامة للمنظمة الدولية، نسمع قول ترامب: «يتعين علينا التمسك باحترام القانون والحدود والثقافة والتعامل السلمي الذي تسمح به هذه الأمور، وتماماً كما أراد مؤسسو هذه المنظمة، يتعين علينا أن نعمل معاً ونواجه معاً مَن يهددوننا بالفوضى والاضطراب والإرهاب». وبعد أسبوع من العمل للتوصل إلى اتفاقات مع زعماء الحزب الديمقراطي، وهما تشارلز شومر (السناتور عن ولاية نيويورك) ونانسي بيلوسي (نائبة ولاية كاليفورنيا)، ها هو ترامب يحسن التعامل مع الأمم المتحدة، لكن نواة أنصاره ربما تقبلوا تواصله مع بيلوسي وشومر أكثر من تقلبهم للرئيس وهو يعرب عن أهمية الأمم المتحدة. على أي حال، تدور أحاديث حالياً عن رغبة ترامب في إبقاء «الحالمين» في أميركا، بل وربما الالتزام باتفاقية باريس الخاصة بمكافحة التغير المناخي، والآن ها هو يلقي التحية للأمم المتحدة. فأين ذهب اتجاه «ستيفن بانون»، مستشاره السابق الذي كان يهيمن على فكر الإدارة وخططها الاستراتيجية وتوجهاتها العامة؟ وهل كان لرحيل «بانون» ذالك التأثير الكبير الذي يتحدث عنه البعض؟ أم أنه من المحتمل أن ترامب تعلم أشياء من وجوده في المنصب الرئاسي؟ لن أقول إنه يتغير أو يتحول لأنني كنت مخطئاً مرات كثيرة بشأن ترامب من قبل، لكن لعله من الممكن أن الرئيس أصبح يستوعب واحدة من الحقائق المهمة في واشنطن، وخاصة أن كل شيء سهل قد فعله. لقد تألفت حملة ترامب من وعود معتادة وتغريدات عاصفة على موقع «تويتر». ولعل ترامب لم يكن يعرف الكثير عن مشكلات بلادنا أو تعقيدات العالم الخارجي. وكان يشجعه على هذا أشخاص من أمثال «بانون» الذي لم يكن له بالمثل خبرة عملية في الإدارة الحكومية أو بالدبلوماسية. وكان ترامب واثقاً حين وعد بإلغاء برنامج «أوباماكير» للرعاية الصحية وبإحلال برنامج جديد جيد محله، وكان واثقاً كذلك بشأن بناء جدار على الحدود مع المكسيك وبشأن إصلاح الضرائب وبشأن الفوز بكل شيء. لكن، حسناً.. لقد رحل بانون، وأصبح المستشار الأبرز في إدارة ترامب حالياً هو «جون كيلي»، الجنرال المتقاعد من مشاة البحرية الأميركية. ولا يستطيع المرء أن يتخيل زعيماً ومديراً أكثر «استناداً على الواقع» من جنرال من مشاة البحرية قاد قواته في القتال. وتذكروا أن كيلي التحق بمجموعة من الراشدين الموجودين بالفعل في وزارة الخارجية ومجلس الأمن القومي ومكتب الإدارة والميزانية ومعظم المواقع الأخرى في الحكومة. وكان آخر منصب في سبيله لأن يخضع لرقابة راشدة هو البيت الأبيض نفسه. وهذا يعيدنا إلى ترامب وخطابه في الأمم المتحدة. لقد كانت لهجة ترامب جادة أول أمس الثلاثاء في الأمم المتحدة. كما أثبتت نيكي هيلي سفيرة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة جدارتها وتألقها وثقتها بنفسها وفهمها للقضايا الحيوية بالنسبة لصورة الإدارة في الأمم المتحدة وحول العالم. وربما لم يغير ترامب قط في الواقع أسلوبه الخاص، لكن من الممكن أنه أدرك خطر التفوه بأمور يعلم أنها غير صحيحة، كما أدرك عدم جدوى التعهد بإنجاز أمور لا يمكن تحقيقها. ومن المؤكد أن من هم حول ترامب لن يعززوا سلوكه الجديد، بل سيشعرون كما لو أنه عليهم تغذية أسوأ غرائزه ليلفتوا الانتباه أو يحظوا بصعود في مستقبلهم المهني. لستُ مستعداً لأن أعلن أن حضور ترامب في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2017 كان حدثاً محورياً، لكنه في واقع الأمر كان حدثاً مطمئناً للكثيرين. وإني متفائل ويحدوني الأمل في أن ترامب قد أدرك الأمر على مستوى ما. وهو على مستوى آخر، أصبح يدرك أن الرئاسة عمل جاد وأن شاغلها يتطلب أكثر من الصخب لكي يحقق نجاحاً فيها. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»