استيقظ الأميركيون صباح الاثنين الماضي على أخبار مفجعة. فمن الطابق الثاني والثلاثين لأحد فنادق لاس فيغاس، أقدم رجل في الرابعة والستين من عمره على إمطار الحاضرين في حفل موسيقي بوابل من النيران، فقتل منهم دون تمييز 59 شخصاً على الأقل وجرح أكثر من 500 آخرين. ثم قام على ما يبدو بقتل نفسه، وفق الشرطة المحلية. وكان ذلك أسوأ حادث إطلاق نار جماعي في التاريخ الحديث لبلد بات الآن متعوداً جداً على مثل هذه المذابح. والمعلومات ما زالت تتكشف مع مرور الوقت حول القاتل، الذي يدعى ستيفن بادوك، وحول الدوافع التي قد تكون حرّكته، بينما تعاملت السلطات الأميركية بتشكك مع إعلان تنظيم «داعش» المسؤولية عن الحادث. وفي هذه الأثناء، قدّم الرئيس دونالد ترامب وعدد من السياسيين الآخرين تعازيهم، ونكّسوا الأعلام، ووقفوا دقائق صمت أكدت حيرتهم إزاء مثل هذا العنف. وحتى قائد الشرطة المحلية في لاس فيغاس قال إنه لا يعرف كيف كان من الممكن تجنب حدوث هذا الحادث. ولكن بالنسبة لمن ينظر إلينا بذهول من أماكن أخرى في العالم كلما هز حادث إطلاق نار جماعي الولايات المتحدة، فإن الجواب واضح وبديهي: إنه انتشار الأسلحة. فالشرطة تقول إن بادوك كانت لديه 18 إلى 20 سلاحاً، بما في ذلك بنادق أوتوماتيكية بالكامل، وبالتالي، فإن حيازتها مقيّدة بشكل كبير بمقتضى القوانين الفيدرالية. والواقع أن قوانين الأسلحة الأميركية معقدة وتختلف من ولاية إلى أخرى، غير أنه لا توجد دولة متقدمة حيث حصول المواطنين على أسلحة وذخائر قادرة على التسبب في أعمال عنف جماعي سهلٌ ومقبولٌ مثلما هو الحال في الولايات المتحدة. وتُعتبر ولاية نيفادا بشكل خاص، التي تضم مدينة لاس فيغاس، ذات قوانين متساهلة. ولا غرو أن معدلات جرائم القتل باستخدام الأسلحة النارية في الولايات المتحدة تفوق بكثير نظيراتها في دول غربية متقدمة مماثلة -إذ تعادل ضعف المعدل في ألمانيا بـ16 مرة وبـ6 مرات المعدل في كندا المجاورة. وقد جمعت صحيفة «الغارديان» البريطانية معطيات صادمة تتعلق بـ1516 حادث إطلاق نار جماعي في الولايات المتحدة على مدى الأيام الـ1735 الماضية. وفي بلدان أخرى، أدت التدابير القوية التي اتُّخذت من أجل حظر أو تقييد الوصول إلى الأسلحة، على غرار تلك التي اعتُمدت في أستراليا، إلى انخفاض ملحوظ في جرائم القتل ونهاية حوادث إطلاق النار الجماعي، غير أن مثل هذه التدابير مستبعد جداً في الولايات المتحدة. ولكن لماذا؟ الواقع أن الولايات المتحدة تعج بالأسلحة. ذلك أن عدد الأسلحة النارية المملوكة من قبل الأشخاص في هذا البلد يعادل تقريباً عدد من يعيشون فيه، وهو رقم ربما يمثل أيضاً نحو نصف العدد المعروف من الأسلحة النارية المملوكة من قبل مدنيين في العالم كله. وعدد هذه الأسلحة دليلٌ في حد ذاته على تاريخ طويل من حيازة السلاح في أميركا، وأيضاً على التسويق الناجح لشركات الأسلحة. و«أحد الأجوبة على السؤال المبهم والملح في الوقت نفسه حول سبب أو أسباب حب الأميركيين للأسلحة يكمن ببساطة في أن قطاع صناعة الأسلحة هو الذي دفعنا لذلك»، هكذا كتبت باميلا هاج في كتابها الصادر مؤخراً «تسليح أميركا: التجارة وصنع ثقافة الأسلحة الأميركية»، مضيفة «إن تسويقها وإعلاناتها لمعت صورة السلاح باعتباره شيئاً محبوباً وذا قيمة عاطفية». الحاكم الجمهوري لولاية كنتاكي، الذي بدا وكأنه كان يتحين فرصة ما حدث، بعث بتغريدة على تويتر يوم الاثنين بدا أنه يلمّح فيها على نحو غير مقصود إلى أن التشكيك في أسس القانون قد يكون أسهل من التفكير في تشديد إجراءات حيازة السلاح. ولكن من غير المرجح، بالطبع، أن يكون واضعو الدستور قد فكّروا في الآلات المدمرة التي بتنا نراها في معارض الأسلحة عبر الولايات المتحدة بعد قرنين من الزمن. ولعل الأهم من ذلك أن الولايات المتحدة لم تعد أيضاً تلك الكونفدرالية الهشة من المستوطنات السابقة التي كانت في حاجة للدفاع عن نفسها في وجه تدخلات الإمبراطوريات الأوروبية. ذلك أن أميركا هي القوة الكبرى في العالم اليوم من دون منازع. وخلاصة القول إن موضوع حيازة الأسلحة يظل مسيّساً للغاية داخل الولايات المتحدة، حيث يبدو البيض أكثر حرصاً على الدفاع عن المادة الثانية من الدستور مقارنة مع الأقليات. كما أنه موضوعُ انقسامٍ حاد بين الحزبين، حيث يختلف الجمهوريون والديمقراطيون اختلافاً شديداً حول ما ينبغي فعله بهذا الصدد. ---------------- إيثان ثارور* * محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»