عادة لا تُذكر أسماء الروس الذين يقال إنهم حاولوا التأثير في الانتخابات الرئاسية الأميركية عام 2016، وإنما يُشار إليهم بـ«الروس» بالجملة فقط. وعلى الرغم من ذلك، اشتهر «فيتالي شكلياروف» نسبياً كناشط سياسي بارز بعمله في حملة السيناتور الديمقراطي «بيرني ساندرز»، التي كانت تعاني نقصاً في العاملين، ولذلك بذل فريقها جهوداً مضنية، وكان لديه دافع مشترك مع أنصار «ساندرز» لقبول تلك الوظيفة ربما بنية المشاركة بعد ذلك في الانتخابات الرئاسية الروسية المختلفة تماماً: «أنه لا يحب بعض النخب المتحكمة». وتكشف قصة «شكلياروف»، البالغ من العمر 41 عاماً، والمملوءة بالمغامرة، بعض الأشياء عن طبيعة العلاقة المعقدة بين الروس من جيلي أنا والغرب، وكثير منا، ممن ولدوا في عهد الاتحاد السوفييتي السابق، لم يعتبروا الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى أعداء وإنما اعتبروها، على العكس، نماذج يتعين على بلادنا أن تحذو حذوها. ومع فشل المشروع السوفييتي، وانفتاح روسيا والدول المحيطة بها على العالم، اعتبرنا أن الغرب مكان يمكننا الحصول منه على المعرفة والخبرات التي من شأنها أن تساعدنا على إصلاح الأمور في وطننا الأم، ولكن عندما سافرنا إلى الغرب، شاهدنا عيوباً لم تكن مرئية بالنسبة لنا من خلف ذلك الستار الحديدي. وبعض منا اعتبرها دليلاً على أن العالم بات فاسداً على صعيد دولي. وبعض أولئك الناس حادوا عن خطتهم، وأصبحوا حطباً لنيران عمليات التجسس أو شبكات الفساد التي استغلت تلك العيوب، غير أن البعض الآخر، ومن بينهم «شكلياروف»، التزموا بخطتهم الأصلية، بل وحاولوا إصلاح ما لم يحبذوه في الغرب. وقد كانت الساحة التي اختارها «شكلياروف» من أكثر الساحات غير المتوقعة بالنسبة لروسي يعيش في الغرب، ألا وهي الساحة السياسية، فذلك المواطن البيلاروسي، الذي يحمل شهادة الدكتوراه في السياسة والعلوم الاجتماعية من جامعة «فيخته» في ألمانيا، تزوج من أميركية وانتقل معها للعيش في الولايات المتحدة، وهناك بدأ «شكلياروف» التطوع في الحملات السياسية بغية اكتساب الخبرة. وشارك في حملة أوباما الثانية، ثم تصيّد الأصوات في حملة الديمقراطي «تامي بالدوين» في محاولته الناجحة للفوز بمقعد في مجلس الشيوخ عن ولاية ويسكونسن عام 2012. ومثلما يقول، كان يمكنه في عام 2012 أن يحصل أيضاً على وظيفة بأجر في حملة «هيلاري كلينتون»، ولكنه اختار بدلاً من ذلك العمل كناشط متعدد المواهب في الفرق المتنقلة، التي عملت في المنافسات التمهيدية على مستوى الولايات لصالح «ساندرز»، وأدار جهود حصد الأصوات، وجنّد متطوعين، وقام بعمل مضن لصالح المرشح. ولكن لماذا «ساندرز» بالذات؟ أجابني «شكلياروف» أنه بصفته معارضاً في العهد ما بعد السوفييتي، فإنه يحب «المستضعفين»! وأضاف: «لقد جئت إلى الولايات المتحدة من ألمانيا، حيث كان لديَّ تأمين صحي إلزامي شامل، وكان يمكنني أن أحصل على إجازة أبوّة لمدة عام مقابل 70 في المئة من راتبي». وتابع: «وفجأة بلغت تكاليف الرعاية الصحية آلاف الدولارات، واضطرت زوجتي لأن تذهب إلى العمل لمدة ستة أسابيع بعد وضع مولودها.. حدث ذلك في الدولة الأغنى في العالم، التي يمكنها أن تتحمل تكاليف أمور مثل حرب العراق»، وقد كان «ساندرز» يسأل تلك الأسئلة المشروعة التي لا يجرؤ حتى السياسيون الليبراليون الآخرون على توجيهها، فقد تأثروا بالحديث أن الولايات المتحدة هي أفضل دولة في العالم. وعلى الرغم من ذلك، ثمة كثير من الأكاذيب تشوب النظام الأميركي، كما هي الحال في روسيا. و«شكلياروف» صريح بشأن معارضته للنظام الذي بناه الرئيس فلاديمير بوتين في روسيا. ومع اقتراب الانتخابات الرئاسية الروسية في مارس المقبل، تطوّع ليكون مستشاراً للحملة الانتخابية للنجمة التلفزيونية «كسينيا سوبشاك»، التي ستخوض المنافسة على برنامج ليبرالي غامض، ويقول البعض: «إن العقول المدبرة في الكرملين تسعى لتحفيز المشاركة الشعبية في التصويت، ومن ثم تفادي العزوف المخيب للآمال بصورة تنزع الشرعية عن انتصار بوتين المؤكد»، بيد أن «شكلياروف» أكد أنه لا يصدق أن «سوبشاك» مجرد شرك نصبه «الكرملين»، وإن كان يشير إلى أنها «على أي حال مرشحة ثانوية». ونوّه إلى أن دوره هو جمع بيانات محددة، واختبار برامج لتنظيم الحملة الانتخابية صممها مع فريق من التقنيين، بينما كانوا يديرون جهود انتخابات على مستوى أقل لصالح مرشحين معارضين لبوتين في موسكو. وساعدت بعض تلك الجهود على تحقيق انتصار لأكثر من 200 مرشح ليبرالي في الانتخابات البلدية في العاصمة الروسية. وقال «شكلياروف»: «أريد أن أكون مستعداً لعام 2024، عندما يكون هناك عدد من المرشحين الديمقراطيين للرئاسة الروسية، إذا غادر بوتين»، ويحظر الدستور الروسي الحالي على بوتين الترشح مرة أخرى في 2024. ليونيد بيرشيدسكي محلل سياسي روسي مقيم في برلين يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»