تقول جدتي عن الثورة البلشفية: «هدم البلاشفة صلبان الكنيسة واختفى راهب الكنيسة في نهاية المطاف في نظام معسكرات الأشغال»، ودأبت جدتي على أن تخبرني وأنا طفل في موسكو أنه لولا الثورة لكانت ما زالت تعيش في القرية ولما أصبحت طبيبة أعصاب، ولما تزوجت جدي المهندس اليهودي الذي حملت اسمه بسعادة لتخفي جذورها الكنسية. وكان جدتي تسترسل في ذكرياتها لتقول إن الثورة: «قلبت الأمور رأساً على عقب. لذا رفعت أشخاصاً لم يكن من المفترض أن يرتفعوا، والتقى أناس لم يكن من المفترض أن يلتقوا ومن بينهم نحن»، وبعد مرور 100 عام على الثورة البلشفية، ما زال التباس نتائج الثورة هذا أبرز ما يكون بشكل غريب غير خارج روسيا، فقد أصبحت روسيا التي عايشت الثورة، دولة سلطوية يمينية بقوة تديرها بيروقراطية محترفة رفضت الاشتراكية وفككت ميراثها بشكل كامل تقريباً، لكن الأفكار اليسارية المتشددة التي حركت مؤسسي الاتحاد السوفييتي تستحوذ على الشباب في الغرب. ويجري تصوير البلاشفة في الغالب على أنهم مجموعة صغيرة ساعدهم الألمان على التدبير لانقلاب، ولم يهتموا إلا بالاستيلاء على السلطة، وهو ما كان ليحدث أبداً في سياق ديمقراطي، لكن البلاشفة كانوا يساريين متشددين حسني النوايا. والأفكار اليوتوبية التي روج لها هؤلاء اليساريون لم تكن روسيا مستعدة لها تماماً، لكنها لم تكن أيضاً مجرد تسويغ خبيث لاستمرار الاستبداد، فقد طبق الاتحاد السوفييتي صيغة من الاشتراكية ضمنت رعاية صحية شاملة مجانية وتعليماً عالياً مجانياً ووظائف للجميع، وكفلت عطلة مدفوعة الأجر وإجازة ولادة للأم. ولم يتبق من هذا الإرث إلا تأثيره المفترض على الغرب، فقد صرح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في كلمة ألقاها في الآونة الأخيرة في «منتدى فالداي»، وهو مركز بحثي مقره موسكو أن التجربة الاشتراكية لروسيا «قدمت حافزاً قوياً على الإصلاح» في الغرب. ويمكن الرد على مقولة إن النموذج السوفييتي هو ما حرَّك تطور دولة الرعاية الاجتماعية في الغرب، لأن أوروبا لها تقليدها القوي الخاص بها المتمثل في المؤسسات الاشتراكية والاشتراكية المعتدلة مع بسمارك في ألمانيا، لكن من الواضح أن هناك بعض «المنافسة على الشرعية السياسية» بحسب تعبير عالم السياسة السويدي «استريد هيدين» بين الشرق والغرب، مما ساعد على التقدم في مجال الحماية الاشتراكية، ولذا وبمعنى ما، ما زال الجانب الاشتراكي الصادق للخبرة السوفييتية حياً في النجاح النسبي للأحزاب اليسارية المتشددة والسياسيين اليساريين في الغرب. وأشارت استطلاعات للرأي لشركة «يوجوف» في الآونة الأخيرة إلى أن 44% من أفراد جيل الألفية في الولايات المتحدة يفضلون العيش في دولة اشتراكية، وفي بريطانيا لدى الشباب اتجاه إيجابي إجمالاً نحو الشيوعية ولديهم اتجاه سلبي إجمالاً نحو الرأسمالية، وهذا لا يعني بالطبع أن أياً من هؤلاء الشباب قد يروقه أنه يجد نفسه في الاتحاد السوفييتي أيام مراهقتي أو أيام شباب جدتي، والذين يميلون نحو الاشتراكية على حساب الرأسمالية يسيطر على خيالهم على الأرجح الدنمارك وليس روسيا، لكن من الواضح أن الجهود السوفييتية لدعم «اليسار» عالمياً حققت أكثر من النجاح، فقد صمدت الحركة وساعدها في السنوات القليلة الماضية فشل رأسمالية الأسواق كما حدث في أزمة 2008 المالية. لكن الروس توصلوا غالباً إلى أن الاشتراكية مستحيلة، وفي السنوات الأخيرة للاتحاد السوفييتي، تحولت الخدمات التي من المفترض أنها مجانية إلى نظام فاسد تعتمد جودة الرعاية الصحية والتعليم فيه على قدرة المرء على دفع رشى وأصبحت الوظائف الرسمية بلا رواتب تكفي تكاليف الحياة. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»