ما قام به الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بمناسبة الاحتفال بالذكرى الثانية لتوقيع اتفاقية باريس للمناخ، وفر فرصة لالتقاط صورة جيدة، وذلك عندما رفع لافتة تحمل نفس العبارة، التي استخدمها الرئيس الأميركي دونالد ترامب كشعار، خلال حملته الانتخابية، وهي عبارة «اجعلوا كوكبنا عظيماً مرة أخرى». وكان الرئيس الفرنسي الشاب، الذي يتسم بالأدب الجم، يهدف من خلال رفعه لتلك اللافتة للتهكم على ترامب، الذي يخطط لسحب بلاده من اتفاقية باريس، ليجعلها، بذلك -وفي هذا السياق على الأقل- دولة معزولة دولياً. وماكرون لم يكن وحده في معركته، ضد ترامب، حيث انضم إليه أيضاً العشرات من قادة العالم، بالإضافة إلى عدد من الشخصيات الأميركية البارزة منهم على سبيل المثال، عمدة مدينة نيويورك السابق مايكل بلومبيرج، ووزير الخارجية السابق جون كيري، وحاكم كاليفورنيا السابق أرنولد شوارزنيجر، والمليارديران ريتشارد برانسون، وبيل جيتس، وغيرهم. ولم يترددوا جميعاً في التصدي للفكرة التي يحاول ترامب ترويجها، وهي أن وضع أهداف للحد من الانبعاثات الحرارية العالمية من شأنه أن يلحق الضرر بالشركات الأميركية، ودافعي، عن الاستثمار في مشاريع الطاقة المتجددة. وموضوع المناخ يمثل أرضاً خصبة لماكرون، الذي «عمل بجد من أجل ترسيخ نفسه كنقيض ليبرالي عالمي للرئيس الأميركي» على حد وصف مجلة «بوليتيكو أوروبا»، وذلك من خلال المشاركة في عدد من القمم العالمية، العام الماضي، والظهور فيها في صورة الزعيم الذي يتميز بالجرأة، ويقدم المبادرات، ويتسم بالكاريزما. ولكن عند مواجهة التحديات المحلية داخل بلاده، بدا الأمر أكثر صعوبة بالنسبة لماكرون، وخصوصاً بعد أن انخفضت معدلات تأييده، بشكل كبير خلال الصيف الماضي، بعد تقديم حكومته لمقترحات خاصة بإصلاحات اقتصادية مؤلمة. فشأنه في ذلك، شأن الكثير من القادة المنتمين لتيار الوسط في دول أخرى في الغرب، يواجه ماكرون جمهوراً متشككاً، يستمد طاقته من الحركات الشعبوية المتنامية، ومشاعر الاستياء السائدة تجاه المؤسسة الرسمية، التي يشعرون بأنها قد خانت مصالحهم. وقد كتب زميلي جيمس ماكولي نهاية الأسبوع الماضي: «في حين أن الفرنسيين في غالبيتهم يفخرون بأن يكون لهم زعيم يحظى باحترام دولي، إلا أن كثيرين منهم لا يزالون متذبذبين في آرائهم بشأن شخصية غالباً ما ينظر إليها على أنها مترددة أكثر من اللازم، عندما يتعلق الأمر بمواجهة المشكلات الثقافية المستعرة في الداخل». وأضاف ماكولي: «تبقى مسألة الهوية بشكل عام -والإسلام بشكل خاص- قضيتين حاسمتين في فرنسا، ولكن ماكرون لم يحرك ساكناً بشأنهما». وتحفظ ماكرون الواضح بشأن الخوض في مناقشات حول الهوية الفرنسية، يمثل إشكالية سياسية بالنسبة له. وحول هذه النقطة قال ياسر لواتي، وهو أحد المدافعين عن حقوق الإنسان، لماكولي: «الشيء الذي يحسب لماكرون، هو أنه لا يعتقد أن العلمانية الفرنسية يجب أن تستخدم ضد المسلمين، ولكن التزامه الصمت، حول مسائل الهوية، يسمح أيضاً للمناقشة العامة بأن تختطف من قبل الأحزاب المتطرفة»! وفي عام اتصف بالاضطراب السياسي، والاستقطاب الزائد في الغرب، بدا على نحو متزايد، وكأن المؤسسة الليبرالية المهترئة، والشعبويين من الجناح اليميني في فرنسا، يتحدثان بلغة مختلفة. فأحدهما يدافع عن المستقبل العالمي المشترك، والآخر يتمسك بالروابط الأسطورية المتمثلة في الدم والأرض. وأحدهما ينزعج من الإدماج والحوار، والآخر يجد أن أعظم طاقته تتولد في مناخ الغضب والخوف. وعولمية ماكرون -إذا ما شئنا استخدام مصطلح محمل بحمولة سياسية استخدم كثيراً خلال العام الماضي- والنوايا الطيبة للممولين الأثرياء، لا يمتلكان إجابة حقيقية عما يؤجج غضب شعبويي الجناح اليميني في فرنسا. وفي الحقيقة أن الشعبوية اليسارية للزعيم السياسي البريطاني جيرمي كوربين ربما تبدو أكثر فعالية كنقيض، في وقت يرى فيه قطاع عريض من الناخبين الأوروبيين أنفسهم، على أنهم قد خسروا الكثير خلال عقدين من العولمة السريعة. وقد كتب المفكر الليبرالي البلغاري «إيفان كراستيف» مؤخراً في عمود بصحيفة النيويورك تايمز أن: «الشعبوية تزدهر عندما تدور السياسة حول الرموز وليس حول الجوهر»، في الوقت ذاته الذي يسعى فيه الشعبويون «لإبقاء المجتمع في حالة استقطاب شديد». وهذا الشيء تحديداً يظهر بشكل واضح في الولايات المتحدة، حيث قام ترامب بحشد قاعدته، من خلال ادعاءاته عن استرداد الماضي المفقود، وشيطنة المهاجرين، والصراع مع مؤسسات التيار الرئيسي، بما في ذلك وسائل الإعلام. ورسائل ترامب تدور في غالبية الأحيان، حول إعلانات لا تتوقف عن الانتصار، ووعود بتحقيق المزيد من النجاحات -مثل بناء سور، أو قصف العدو، أو حظر المهاجرين. ولذلك، وفي حين أن ماكرون وغيره من المدافعين عن الليبرالية، قد تغامزوا على موضوع غياب ترامب عن ذكرى الاحتفال باتفاقية باريس للمناخ، إلا أن الأمر شبه المؤكد، هو أن رئيس الولايات المتحدة لم يأبه كثيراً بذلك، بل الواقع أن الخصوم مثل ماكرون، قد يكونون الآن هم نوع الخصوم الذي يريده بالضبط. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»