ظلت الصورة النمطية لرجل الدين مُطلِق لحيته ومقصر لثوبه (مع تقديرنا لعلمائنا الأجلاء وذوي القلوب المخلصة لدينها وربها) في عالمنا العربي والإسلامي يلازمها التوقير والاحترام من قبل الشعوب واعتبار ما يأتي من هؤلاء من المسلمات التي لا جدال فيها. وجود مثل هؤلاء متخفين بذلك المظهر وفي جعبتهم أجنداتهم المدمرة للمجتمعات مضافاً لذلك استغلال قضايا جوهرية في العالم العربي والإسلامي مثل القضية الفلسطينية، دفع بهم إلى استغلال العاطفة الدينية لدى شعوب المنطقة لاستقطاب المزيد من المؤيدين. هذه الأداة التي وظفتها التنظيمات الإرهابية ظلت تشكل معضلة حقيقية لدى الحكومات لمواجهة هذه التنظيمات، بل وأن أي خطوات تتخذ ضد تلك التنظيمات، تسوقها هذه الأخيرة على اعتبار أنه ضد الإسلام وتواطؤ من قبل هذه الحكومات مع أعداء الإسلام. في ظل تلك الصورة النمطية، وحتى ربما بعد 11 سبتمبر، ظل الإعلام العربي يسير في مسافات متباينة في تناول مثل هذه التنظيمات وكشف حقيقتها. فتنظيم «الإخوان» ولنأخذ مصر مثالاً، ظل يتستر وراء حاجز المظلومية من ممارسات الحكومة المصرية، التي لم تستمع لها الآذان في ذلك الوقت سواء العربية أو الغربية وعلى الرغم من المطالبات المصرية المتكررة للحكومة البريطانية تسليمها عدد من قادة تنظيم «الإخوان» والتيار «الجهادي»، إلا أن تلك المحاولات باءت بالفشل ما ساهم بدوره في استغلال تلك التنظيمات وجودها في العواصم الغربية للاستمرار في عملية الاستقطاب. إذاً أصبحت معضلة تصنيف الإرهاب على المستوى العالمي وإشكالية الحد الفاصل بين الإرهابي والمقاوم للمحتل ترخي بظلالها على الإعلام العربي، وكيفية تناول ذلك الأمر الذي يستمر كونه نقطة تباين حتى في أروقة الأمم المتحدة. وسط ذلك التباين والتحفظ سارت قناة «الجزيرة» وفق أجندتها لتعزز من تلك الإشكالية بعد أن باتت منصاتها منبراً لقادة تنظيم «القاعدة» وغيرها من التنظيمات، التي استطاعت جذب الكثير من الشباب نظراً لأحادية الخطاب وافتقاد خطة مواجهة مقابلة لذلك في الإعلام العربي، وما تلاها من منصات أخرى لتلك التنظيمات. وهناك العديد من المعوقات التي واجهت الإعلام العربي في تعاطيه مع ظاهرة الإرهاب، منها: إشكالية وضوح الأهداف النهائية للتنظيمات الإرهابية، وتسترها وراء غطاء الدين، والعاطفة الدينية للمجتمعات المسلمة واستغلالها من قبل هذه التنظيمات حتى بات الإعلام محط انتقاد من هذه الشعوب في حال مهاجمتها لها، ومن بين المعوقات: موقف المجتمعات العربية من الدول الغربية في ظل التضليل والدعاية من قبل تلك التنظيمات تجاه تلك الدول نتيجة ممارساتها، واستمرار التقاعس الغربي وسط ما يشهده الشعب الفلسطيني من ظلم، وكذلك الأخطاء التي ترتكبها القوات سواء الأميركية أو غيرها في مناطق النزاع، كل ذلك جعل من صورة هذه التنظيمات ودعايتها قوية لدى الشارع المسلم بحيث يصبح الإعلام في موقف صعب في طرحه لتلك الصورة المغايرة، هذا بالإضافة إلى استمرار ضبابية التوصيف الدقيق للإرهاب والحد الفاصل الضيق بين المقاوم والإرهابي واستغلال التنظيمات الإرهابية لذلك الأمر. ومن بين المعوقات: عدم وجود أرضية مشتركة داخل الإعلام العربي للتعاطي مع ظاهرة الإرهاب، والافتقاد لخطة إعلامية عربية مشتركة تتوزع فيها الأدوار بحيث تكون خطة إعلامية منسقة ومستمرة وليست آنية وردة فعل لحوادث. ومن بين الأخطاء التي تعوق الإعلام العربي في تعاطيه مع ظاهرة الإرهاب: ترويج الإعلام العربي وربما دون قصد للتنظيمات الإرهابية ونشاطاتها التخريبية، وبالتالي استقطاب العديد من الشباب لهذه التنظيمات، عن طريق التهافت لبث مقاطع الفيديو للعمليات الإرهابية لهذه التنظيمات على الشاشات العربية. التأخر كثيراً في تناول هذه التنظيمات الإرهابية وبعمق على الشاشات العربية ووجود نخبة قادرة على تفنيد أيديولوجية هذه التنظيمات ومنطلقاتها. وصول عدد ممن يطلق عليهم بالدعاة إلى المنابر الإعلامية العربية وإنشاء قنوات سواء فضائية أو على الإنترنت ناهيك عن الحسابات على مختلف منصات التواصل الاجتماعي ساهمت في الترويج لتلك التنظيمات الإرهابية من منطلقات تلامس العاطفة الدينية والشعبية أمام مرأى من الحكومات والإعلام العربي. الصراعات الطائفية في العالم العربي وانعكاساتها على بروز التنظيمات الإرهابية بوصفها منبرية للدفاع عن هذه الطائفة أو تلك. على الرغم من وجود بعض البرامج حول هذه التنظيمات جاءت في الإعلام العربي فإنه في المقابل ما جاءت برامج ساهمت في استضافة عدد من المتعاطفين مع هذه التنظيمات، وحاولوا جاهدين خلق التبريرات لهذه التنظيمات بوصفها مقاوماً حقيقياً ومناهضاً للظلم. التركيز على الإعلام التقليدي بصورة أكبر من قبل الإعلام العربي مقارنة بالإعلام الحديث ووسائل التواصل الاجتماعي، هذا الأمر ساهم في أن يكون لتلك التنظيمات قدم السبق على الإعلام العربي في وصوله للمتلقي العربي وإيصال صورة تحتاج لاحقاً لتفنيد، وبالتالي استمرار الإعلام العربي في ممارسة دور الدفاع والتفنيد. في ظل ما تقدم من معضلات معوقة للإعلام العربي في مواجهة الإرهاب، تأتي المعطيات التي نعايشها في وقتنا الحاضر مساهمة في تبني استراتيجية عربية واضحة في مواجهة الإرهاب وشروره، فبعد تكشف الأهداف النهائية للتنظيمات الإرهابية مثل «داعش» وارتباط تنظيم «الإخوان» بالتنظيمات الإرهابية ومنطلقات ذلك التنظيم المهددة لاستقرار الدول، ناهيك عن التحركات الجدية من قبل العالم للحد من هامش الحرية التي استغلته تلك التنظيمات في الفضاء المفتوح، بالإضافة إلى تراجع التأييد لتلك التنظيمات بعد وضوح أهدافها، بعد كل ذلك صار لزاماً إمعان النظر في انتخاب الطرق السليمة من قبل الإعلام العربي لمخاطبة العقول وطرح الأدلة الكافية الوافية لخطورة تلك التنظيمات. لم تعد القنوات الفضائية وبرامجها كافية لمخاطبة شريحة كبيرة من الشباب العربي، بل لا بد من التركيز على المنصات الأخرى واختيار الطريقة الأقرب إليهم للوصول إلى المبتغى وهو كشف حقيقة الإرهاب وخطورته. بات من المهم جداً إعداد نخبة شابة قادرة على التواصل مع جيلها من الشباب مسلحة بالفكر والمعرفة معززة لذلك بالإقناع بالأدلة. في ظل الجهد العالم لمواجهة الإرهاب فإنه لا مناص من إبداء عدم التساهل مع أولئك المروجين لهذه التنظيمات وأيديولوجيتها ومنابرهم الإعلامية. تأخر الإعلام العربي في التعاطي مع الإرهاب، لعلها عبارة يجانبها الكثير من الحقيقة ولكن أن تصل متأخراً خير من أن لا تصل أبداً في مواجهة خطر لا يقتصر على زمان ولا على مكان.