جلسنا لساعات في الطائرة الرابضة على مدرج مطار بيروت الدولي في منتصف عقد التسعينيات، ولم نعرف السبب إلا بعد أن طلبوا منا النزول للتعرف على حقائبنا، حيث صفّت أسفل الطائرة. وكان أفراد من الجيش اللبناني يؤشرون بالطباشير على كل حقيبة يعلن مسافر أنها تخصّه، ثم أقلعت الطائرة والجميع ينظر إلى حقيبة واحدة بقيت هناك، ووصلنا إلى دبي قبيل الفجر. ولعل الحقيبة لم تكن تحوي أي مواد خطرة، ولعل صاحبها عدل عن فكرة السفر بعد تسليم حقيبته، أو التهى بالأكل في المطار، أو نسي نفسه في دورات المياه، وثمة ألف احتمال عادي في الموضوع، لكن كان من الواجب على المعنيين تنحية كل الاحتمالات العادية والتركيز على احتمال استثنائي واحد، هو أن المسافر المفترض سلّم حقيبة مفخخة بالمتفجرات لتدخل الطائرة، ثم عاد إلى بيته ليتابع الأخبار. وفضلاً عن الظروف الاستثنائية التي تجعل بعض رحلات الطيران قطعة من العذاب، فمنذ أحداث 11 سبتمبر تعرض المليارات من المسافرين في مختلف مطارات العالم لإجراءات تفتيش إضافية، وصار من المتعين على المسافرين الحضور مبكراً والوقوف طويلاً في طوابير حلزونية، وصرنا نخلع أحذيتنا ونفك أحزمة بنطلوناتنا ويتحسس الموظفون أجسادنا، وزادت قائمة المواد المحظور وضعها في الحقائب أو حملها يدوياً، لتشمل أشياء عجيبة وغريبة، كأوتاد الخيمة، ومضارب التنس، وولاعات السجائر، والسوائل، والأدوية والعطور إلا بكميات بسيطة، وحتى أصباغ الشعر.. إلخ. وصار المسافر من حيث منعه من حمل الكثير من الأمتعة كأنه ذاهب إلى الدار الآخرة خاوي اليدين، ومن حيث تعريضه للتفتيش كأنه بصدد الدخول إلى مفاعل نووي، وليس استخدام وسيلة نقل لا تختلف عن الحافلات سوى أنها تطير في الجو. ويضاف إلى هذا المبالغ الطائلة التي تكبدتها دول العالم لتأمين المطارات، وضمان أمن الطائرات، وساعات العمل التي لا تحصى لأجل كل ذلك. تسعة عشر مخبولاً تسبّبوا في تغيير حياة البشرية في الجو، وربما لا تقع أبداً عمليات مماثلة، لكن لا يمكن الركون إلى تلك ال«ربما»، مثل حزام الأمان، قد تربطه طوال حياتك ولا تتعرض لأي حادث، لكنك لا تدري مقدماً جدواه أو عدم جدواه بالنسبة لك. ويرى الخبراء الأمنيون أن المطارات والطائرات تمثلان صيداً ثميناً للجماعات الإرهابية، خصوصاً لتنظيم «داعش» النشط حالياً، فمن خلال استهدافها يوقعون الكثير من الأبرياء في ضربة واحدة، ويؤكدون على قدرتهم على اختراق أكثر الأماكن تأميناً، ووجود ضحايا من مختلف الجنسيات يجعل العملية تأخذ صدى عالمياً، وتثير الفزع في كل مكان، هذا فضلاً عن التأثيرات المدمرة على قطاع السياحة واقتصاد البلدان المستهدفة مطاراتها أو طائراتها. في سبعينيات القرن الماضي عكفت شركات صناعة الطائرات على تطوير تقنية منع فتح أبواب الطائرات أثناء التحليق في الجو، بسبب شخص واحد يدعى «دان كوبر»، كان ضمن مسافرين على متن طائرة أميركية، وفجأة أشهر سلاحه في وجوه رفقاء السفر وسرق ما يحملونه ثم أمر قائد الطائرة بالهبوط إلى مستوى منخفض، وفتح باب الطائرة وقفز بالمظلة.