ما زلت متفائلا بالقدرة العربية على تعديل الموقف الأميركي من قضية حل الدولتين وحدود القدس مقابل الموقف المتشائم الذي يتخذه آخرون. تفاؤلي مبني على المعلومات حول الدور القومي الحيوي الذي تقوم به الدول العربية المؤثرة والمتمثل في إجراء حوار سياسي مع إدارة ترامب لتدارك الموقف ولجم السعار الاستيطاني اليميني الإسرائيلي وإنجاز حل الدولتين. لذلك أسترجع تصريحات وزير الخارجية السعودي عادل الجبير لقناة فرنسا 24 كلما تلاعب الإعلام الإسرائيلي بأعصاب الفلسطينيين بترويج شائعات مثل ترويج فكرة أن إدارة ترامب تفكر في تجميد مشروعها للسلام، وهو ما يعني إطلاق يد اليمين الإسرائيلي في الضفة الغربية ليقضم أراضيها ويقيم عليها مستوطنات يهودية ويملؤها بالمستوطنين كما يشاء. ورغم كل المرارة التي أشعر بها بسبب قرار الرئيس الأميركي حول القدس، وبسبب تهافت معسكر السلام الإسرائيلي المؤمن بحل الدولتين وغيابه، وبسب هيمنة الأحزاب اليمينية على دفة الحكم والتوجهات السياسية في الساحة الإسرائيلية، فإنني ما زلت أعول كثيراً على ما قاله الجبير من أن إدارة ترامب ما زالت تعد مشروعاً للتسوية وأنها تتشاور مع الدول العربية حول المشروع وتتعاون مع آراء العواصم العربية. من الواضح أن حملة التلاعب بأعصاب الفلسطينيين قد أثرت في إسماعيل هنية الذي قال إن أخباراً وصلت إلى حركته تفيد بأن الإدارة الأميركية ستقدم على قرارات جديدة بشأن تثبيت المستوطنات الإسرائيلية والاعتراف بيهودية دولة إسرائيل وإلغاء حق العودة للفلسطينيين. وعلى الناحية الفلسطينية الأخرى يبدو الرئيس الفلسطيني محمود عباس واثقاً من خطواته لتعزيز مكانة فلسطين في الأمم المتحدة كدولة تحت الاحتلال خاصة بعد عودته مؤخراً من زيارته إلى الرياض ولقائه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده، وهي إشارة تؤكد للمراقبين أن ما استمع إليه الرئيس عباس في الرياض بث في نفسه الطمأنينة حول قدرة الرياض والعواصم العربية المؤثرة الأخرى على تعديل ميزان تحرك ترامب في القدس وفي حل الدولتين. هناك أمر أعتقد أنه يشكل نافذة لا يلتفت إليها كثيرون لإيجاد حل مرض للعرب في مسألة القدس، وهذه النافذه هي تأكيد المتحدثين الرسمييين الأميركيين، بدءا من الرئيس نفسه إلى المتحدثة باسم وزارة الخاجية، على أن حدود السيادة الإسرائيلية في القدس متروكة للمفاوضات بين الإسرائيليين والفلسطينيين. إنني أرى هنا مساحة للعواصم العربية المؤثرة للتحرك مع إدارة ترامب وللدفع في اتجاه المطلب الفلسطيني ومطلب المبادرة العربية للسلام بشأن القدس الشرقية كعاصمة للدولة الفلسطينية المرتقبة. وفي نفس الوقت فإني ألح على استخدام هذه المساحة عربياً وعدم الاستسلام لمشاعر اليأس من انتزاع القدس الشرقية المحتلة من بين أنياب أطماع التوسع الإسرائيلية، كما ألح على ضرورة مواصلة الحوارالعربي السياسي المؤثر -الذي أشار إليه الجبير- مع إدارة ترامب حتى لا تنفرد بأسماع هذه الإدارة أفكار اليمين الإسرائيلي حول استبعاد حل الدولتين والاستيلاء على كامل مساحة الضفة. إن التصرفات المسعورة التى بدأ اليمين الإسرائيلي يقوم بها لزيادة وتيرة قضم الضفة الغربية منذ قرار ترامب وإعلان المقاطعة الفلسطينية لجهوده واضحة للعيان وهي موجودة في أعمدة الأخبار بجميع صحف العالم. إن هذه التصرفات تعني أن إسرائيل ستستثمر المقاطعة الفلسطينية لإدارة ترامب للإجهاز على الأساس الذي ترتكن إليه فكرة حل الدولتين أي أرض الضفة، وتقوم بتهويدها. انظر مثلا دلالة الخبر الذي يتحدث عن تصريح وزير الإسكان والبناء الإسرائيلي «يواف جلانت» الصادر هذا الأسبوع، ستجده يعلن أن حكومته تخطط لبناء مليون وحدة سكنية استيطانية في الضفة الغربية خلال العشرين عاماً المقبلة. طبعا من حق السلطة الفلسطينية أن تعتبر هذا المخطط نتيجة للتشجيع الذي استمدته إسرائيل من قرار ترامب حول القدس وهو بالفعل كذلك، لكن من واجبها أيضاً أن تنتبه إلى أن قطع اتصالاتها بالكامل مع الإدارة الأميركية يمنح إسرائيل فرصة ذهبية.