في لقاء مع رفيقة من رفيقات درب الفكر والمعرفة قالت (نحن نعيش في زمن مأزوم) فتداخلت الأفكار في ذهني لإدراك ماذا يعنى أننا نعيش في زمن مأزوم، فتصفحت ملامح وجه الزمن الحاضر الذي نحياه، وتلك اللحظة الفارقة ما بين جزأين من الزمن وهما عام يمضي وعام يأتي، أحاول أن أتذكر أين التقيتُ ذلك الوجه المأزوم، أبدو وكأنني أسير في ضبابٍ رمادي، ورويدا بدأت ضبابية العقل تتلاشى لتبدو لي ملامح هذا الزمن المأزوم كما وصفته رفيقتي. هو زمن نحياه تتحول كل معطياته لمجموعة من الأزمات المتتالية دون هدنة لالتقاط الأنفاس ومعالجة تلك الأزمات، وتوقفت عند سؤال ملح وهو (من يصنع هذا الزمن المأزوم؟) إنه الإنسان يا رفيقة الفكر، هو من يحول زمنه من حالة السكينة والرخاء إلى حالة التأزم التي تعصف بكل منتجاته الحضارية التي يبنيها الزمن. فالإنسان عندما فقد إنسانيته وقيمه ودخل في صراعات واهية دون إدراك لما ستفضي إليه تلك الصراعات الساعية وراء مجد وعظمة وهمية، وحين يحول تلك الصراعات من صراعات من أجل النمو والتطور الإنساني إلى صراعات محصورة في خانة الذات، سواء أكانت تلك الذات فردية أو جمعية بمفهومها الضيق القاصر على مجموعة معينة من البشر(مصنفة عرقيا أودينيا أوطائفيا أو مجتمعيا) وليس بمفهومها الإنساني الواسع الذي يحوي كل العالم.. ليصبح زمنا مهزوما من الداخل ليس مأزوما فقط. وسط كل تلك التأزمات التي يعيشها الإنسان في مساحته الزمنية الحاضرة الناتجة عن حالة الانعزال يحدث تفكك في المجتمع وتشرذم وانهيار للحضارة. لكن هل من شعاع نور في نهاية ذلك النفق المأزوم؟. نعم حتما فكما يصنع الإنسان أزمته بيده فهو قادر أن يصنع الحلول التي تحولها إلى الحالة النقيضة، تلك الحالة التي تتحول فيها المجتمعات من حالة الانهزام إلى حالة التفوق. هل نظرنا لألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية كيف تحولت من مجتمع منهزم داخلياً وخارجياً، ويعيش زمنا مأزوما بكل المقاييس إلى مجتمع منتج وواعٍ ومثقف وقوة اقتصادية كبيرة في العالم، كلمة السر هي الإيمان بالمجتمع واليقين بالوطن والتحدي، وإدراك أنك في حالة تأزم، ويجب أن تنتهي، وزرعوا في نفوس الأطفال قيمة الحضارة من خلال أنظمة تعليمية حرصت على بناء عقول واعية بقيمة الحضارة والبناء من أجل الوطن والإنسانية، وظلت مرارة زمنهم المأزوم معلقة على جدرانهم لا ليجتروها حزناً، لكن لتظل في ذاكرتهم رمزاً لأمس لا يريدون أن يعود، أمس ظل مأزوماً متفككاً منهاراً من الداخل. نحن كبشر قادرون أن نحول زمننا المأزوم إلى زمن مبتسم منتج صانع للحضارة. كلمة السر هي إيمان الإنسان بوطنه وقيمته ومستقبله، ومؤمناً بأنه جزء من العالم يتقبل الآخر مؤمناً بالتسامح، وبحق الجميع في الحياة، ولنا في وطننا الإمارات النموذج على ذلك، ساعتها ستنتهي من قاموسنا كلمة الزمن المأزوم.