بين «الخضراء 1» و«الخضراء 2» عَقد من عمر الزمان، في الأولى للعام 2009 استمرت سنة واحدة، ثم أخمدت بالنار والدخان والمياه الساخنة. أما الثانية فلا زالت في بداية الاستواء، فلا نستعجل بالنتائج ولا نسبق الأحداث، بل نستبق التحليل والتعليل والتفسير. قالت مراكز الأبحاث الإسرائيلية أثناء اندلاع «الربيع العربي» الذي غدا اليوم خريفاً مقفراً، بأن أَمَد النظام الإيراني لن يدوم أكثر من عشر سنوات قادمات، وها هو البركان الثاني الذي كان خامداً طوال عقد قد ثار على السطح، والنظام يحاول الاستدراك على لسان رئيسه روحاني، ويبادر بعد خراب البصرة بإعطاء الشعب حق التظاهر، وحق النظام بالمقابل في قتل من يشاء من الشعب الإيراني وليس اليمني، العراقي، اللبناني والسوري. ترى ماذا يريد الشعب اليوم وليس قبل عشرة أعوام لأن العالم دار دورة بمقدار 180 درجة منذ ذاك الوقت، فهذا التغيير يجب أن تدركه إيران قبل فوات الأوان، حيث لا ينفع صوت عال ولا سوط حاد اللسعات. يريد الشعب الإيراني في هذه المرحلة أن يخرج النظام من غزة ولبنان، فلا يهمه فلسطين ولا اليمن ولا العراق، غير طهران أولاً. يريد الشعب استرجاع أمواله المسلوبة في مدِّ كل ناعق بالثورة بالمال الإيراني ابتداءً من المليارات التي دفعت لـ«حزب الله» في لبنان وكذلك المليارات التي دفعت للأسد في سوريا من الجيب الخاص للرأس الأعلى في النظام الذي يملك أكثر من 70 مليار دولار، وكل «تومان» ذهب إلى «الحوثيين» والحشود الشعبية العراقية التي أجرمت في قطع الرقاب ودفن الأحياء مع الأموات. جاء الوقت المناسب لكي تتحول إيران إلى دولة طبيعية كبقية الدول في العالم المتقدم، وكذلك المتخلف أما أن تستمر دولة في ثوب «ثورة» سميت إسلامية زوراً وبهتاناً فإن هذا يسير نحو نتائج لا تستقيم عندها الأمور. فإيران الزعفران وعمر الخيام هي المطلوبة الآن وليس الخيزران فيجب عليها أن تسحب عِصيّ نفوذها وأياديها الملطخة بدماء الأبرياء باسم نصرة «المستضعفين في الأرض» تحت شماعة نصوص دستور النشأة المشؤومة على نفسها وعلى العالم أجمع، حتى استضعفت الشعب قبل التوجه نحو الشعوب الأخرى التي عانت الأمرين أمراراً. إن لم تنتبه إيران إلى موضع قدميها، وتلتفت ساقيها فإنها تأكل نفسها قبل أن يسعى الآخرون إلى بلعها، وهي من تسميهم بالإمبريالية العالمية وأعوانها، وكأنها هي الضد أو النقيض باتباع إمبريالية إيرانية أخرى مضادة لكل مفاعيل السياسة الدولية والإقليمية والمحلية كذلك. إيران النظام الحالي تريد الخليج «فارسياً»، وكذلك بقية العواصم التي زعمت امتلاكها بيد «سليماني» الذي تم خلع خاتمه من إصبعه في «عاصفة الحزم» التي أوجعت هيبة النظام الإيراني أمام العالم أجمع، فها هو الآن يخنس نحو الداخل لعلاج الفالج الذي تسببه للشعب بكل مكوناته. يزعم البعض بأن النظام بلغ درجة من العمق، بحيث يصعب زعزعة أمنه واستقراره، وليس هذا هو المطلوب، بل الأهم أن هذا العمق ليس حضارياً كما كانت فارس الحضارة منذ ألوف السنين، فهو عمق طائفي نتن. سادت الحضارة الإسلامية فارس لقرون، وجعلتها تعبد رب العباد بدلاً من نيران زرادشت المجوسية، ولم يُهدم فيها بنيان ولا إنسان غير إطفاء تلك النيران، هذا هو الفعل العربي في بلاد فارس. فإيران الثورة تريد أن تعيد الإمبراطورية السالفة إلى زمن عبادة النيران، والشيعة شماعة بريئة من كل ذلك، فالنفوذ والتمدد غير الطبيعي أسقطا كل الإمبراطوريات في العالم وعلى رأسها الإمبراطورية البريطانية التي لم تغب عنها الشمس ولكن اليوم غابت فهذه كتلك.