نتابع هذه الأيام الدقائق الأخيرة من فيلم «الخمينية» الذي بدأ عرضه سنة 1979، ففي مرحلة الاستهلال الطويلة تعرّف المشاهد على المكان والزمان والشخصيات والعلاقات القائمة بينهم، مع «فلاش باك» للخميني وهو يرفع لواء معارضة الشاه، وتداول أفكار منظري الثورة كشريعتي وطالقاني ومطهّري وبهشتي وغيرهم، واللحظات الأخيرة من الحقبة الشاهنشاهية. ثم تابعنا مرحلة الحدث التي أخذت الحيز الأكبر من وقت الفيلم، حيث تفاعلت الشخصيات ودارت الأحداث وبدأ الصراع، فرأينا حملة القمع والترهيب التي طالت من ساهموا في الثورة، واعتقدوا أن الأمور ستؤول إليهم وسيبقى المعمّمون في المساجد، لكنهم تفاجؤوا بشيء اسمه «ولاية الفقيه». «وتوالت الأحداث عاصفة» بالحرب الطاحنة مع العراق، ثم بأكل الثورة أبناءها، والتصفيات الجسدية التي تمّت في ظروف غامضة لشخصيات مهمة مثل مطهّري، ثم لنحو مائة من قادة الثورة والوزراء والبرلمانيين الذين انفجرت فيهم قنبلة أثناء اجتماع حزبي، ثم صعود نجم الصديقين الحميمين رفسنجاني وخامئني، بعد أن كانا في الظل. واستمر الصراع بتجرّع الخميني سمّ اتفاقية وقف الحرب، وعزل خليفته منتظري، ثم وفاته، و«ترقية» خامئني إلى «آية الله العظمى»، ليكون جديراً بمقام «المرشد الأعلى». ثم مرت المشاهد بعد ذلك سريعة من دون تأثير حقيقي، اللهم إلا إطالة أمد البؤس والتعاسة، إلى سنة 1997 والفوز الكاسح لخاتمي برئاسة الجمهورية، وولادة تيار «إصلاحي» من رحم الخمينية، ثم سنة 2001 الفارقة التي بدأ خامئني يحسّ فيها بأن أعوانه القدماء أصبحوا عجائز مقرونين بالفساد، كصديقه رفسنجاني، وأن هناك تياراً «لا يسمع الكلام» بحذافيره، وأنه لا بد من الاعتماد على الشباب لضمان استمرارية حكمه المطلق. وبعد تسارع الأحداث أتت مرحلة العُقدة، القصيرة نسبياً، حيث حبس فيها المشاهد أنفاسه وهو يرى الأمور تتشابك وتتقاطع، فمع مراهنة خامئني على رجالات الحرس الثوري، وسحبه البساط من تحت أقدام رجال الدين وعلى رأسهم رفسنجاني، بدأت التعقيدات تظهر على السطح، وتشابكت مصالح الطرفين مع كل انتخابات رئاسية أو برلمانية، وفي الكثير من الملفات الداخلية والخارجية، كالسياسة الاقتصادية، والعلاقات مع الجيران والغرب، ودعم المنظمات الأصولية، وأصبح للخمينية أوجه مختلفة: متشدد كنجاد، محافظ كلاريجاني، معتدل ككروبي، إصلاحي كخاتمي، ثم روحاني، هذا فضلاً عن قادة الحرس الذين يلمعون فترة ويختفون. وتخلل ذلك وفي لقطات سريعة مظاهرات احتجاج حاشدة ضد إعلان فوز نجاد بالرئاسة الثانية، كُسرت فيها كلمة المرشد الأعلى في الشارع للمرة الأولى، لكن استطاع النظام السيطرة على الأوضاع بالهراوات والسكاكين والرصاص، ثم المحاكمات المذلة لبعض رموز الخمينية. ثم كانت بعض اللقطات الخارجية، سليماني يجول بين الأنقاض والأشلاء في العراق وسوريا، ونصر الله يزعق من جحره، والحوثيون يطلقون الصواريخ، وقادة «حماس» يتلذذون بالمال الإيراني، مع «فلاش باك» بين الحين والآخر للتعاسة والغضب على وجوه الملايين في إيران. نشهد حالياً مرحلة الذروة، وهي قصيرة، وتبدأ في الأفلام حين تُصبح العُقد مشدودة لدرجة لا يمكن حلها إلا بحسم أحد الأطراف الصراع لصالحه. ولأن بطلي الفيلم هما النظام والشعب الذي يخرج في مظاهرات يومية في مختلف المدن، فالنهاية باتت وشيكة. ‏?