ليس غريباً أن تشكر السفارة الإسرائيلية الكاتب يوسف زيدان على تصريحاته التي قال فيها، إن المسجد الأقصى ليس هو ذلك القائم في القدس، وأن هذه الأخيرة ليست مكاناً مقدساً.. وتكتب عبر حسابها على «الفيس بوك» أنه أسعدها «سماع أقوال الكاتب والمؤرخ يوسف زيدان في برنامج (كل يوم) على قناة (أون تي في)»! وسبب ذلك الشكر أن ما قاله زيدان هو تكرار لما تقوله إسرائيل وقالته قبله رابطة الدفاع اليهودية من أن القدس لم تكن قبلة للمسلمين. إسرائيل في الحقيقة، ومنذ زمن طويل، وهي تبحث عن مثل هذه الأقلام والأصوات، وعلى الأخص تلك التي تجيد تكرار التزوير الذي يقوم به الإسرائيليون أنفسهم حول القدس والمسجد الأقصى والإسلام والمسلمين وأرض فلسطين.. والذي يصب بشكل مباشر في مصلحة وجودها الاحتلالي. وقد مهّدت الطريق لبعض الكتاب ودفعتهم إلى الواجهة، وبخاصة من يجيدون تكرار طروحات الصهاينة من المستشرقين المتعصبين حول تاريخ المنطقة وعقيدتها وحضارتها ومقدساتها، وهي تمدهم بالوسائل المادية والمعنوية التي تعينهم على خدمة هذا الهدف، وتفسح لهم المجال للوصول إلى وسائل الإعلام.. والهدف أن يكون في العالم العربي نخبة من المثقفين والمؤرخين تدافع عن «تاريخ» يعطي إسرائيل الحق في الوجود ويدعو للتطبيع معها. لذلك يقول أحدهم إن شعب إسرائيل هو مجموعة من المسالمين المظلومين! والأهم من ذلك أنه لدى هذه الفئة من الكتاب والمؤرخين الاستعداد لمهاجمة الإسلام وتاريخه وإثارة الشكوك والشبهات حول شريعته ومقدساته، وعلى الأخص حول القدس والمسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين. نعم، إن إسرائيل تدفعهم إلى تلك المواقف مستغلةً رغبتهم القوية في الشهرة والأضواء والإثارة، وولعهم الشديد بالمال والتصدر. والغريب في الأمر كونهم يدعون بأنهم مفكرون ومؤرخون وباحثون ومختصون في الشأن الإسلامي، لكن حين نتفحص آراءهم نجد أنه لا مساهمة لهم في ميادين العلم والمعرفة والفلسفة، بل كل بضاعتهم آراءٌ منقولةٌ من المستشرقين والمؤرخين الإسرائيليين الذين أدمنوا الكذب والتزوير حول الإسلام والمسلمين دون أدنى حد من الأمانة العلمية، وفاتهم جميعاً أن للناس عقولا تفكر وبصائر تميز الغث من السمين وأنهم لا يستطيعون تحريف تاريخ الإسلام مهما فعلوا. من الناحية التاريخية تتفق كل المراجع على أنه لا وجود لحق يهودي تاريخي في أرض فلسطين، وأن عرب فلسطين هم امتداد للكنعانيين الذين هم أقدم الجماعات البشرية التي ذكرها التاريخ كمالكين لأرض فلسطين، وأصل الكنعانيين عربي خالص لأنهم جزء من الهجرات التي غادرت شبه الجزيرة العربية إلى أرض فلسطين التي سميت في فجر تاريخها «أرض كنعان». والتاريخ قد وعي هذه الحقيقة قبل 4500 عام من تفجر الصراع العربي الإسرائيلي. كما يقول لنا التاريخ أيضاً إن «اليبوسيين» الذين سكنوا فلسطين قديماً هم كذلك عرب وهم من بنوا مدينة القدس. أما علاقة اليهود بأرض فلسطين فهي علاقة طارئة ومؤقتة وناتجة عن غزو «يوشع بن نون» بعض أراضيها بعد 1500 عام من التاريخ العربي في فلسطين العربية الكنعانية. وإن النبي موسى عليه السلام ولد ونشأ وبعث ومات ودفن في مصر، والتوراة نزلت عليه في مصر وبلغتها الهيروغليفية. وهذا أيضاً ما يقوله بعض المستشرقين المنصفين والمؤرخين الذين درسوا الحضارة الإسلامية والتاريخ العربي دراسة علمية بعيدة عن الهوى والتعصب وأنصفوا في كتاباتهم العرب والمسلمين وعززوا رأيهم بالأدلة والبراهين.