بدا للمحللين والمراقبين أن قرار اللجنة المركزية لحزب «الليكود»، الذي اتخذته بإجماع أصوات أعضائها الألف والخمسمئة يوم 31 ديسمبر 2017، وكأنه يدعو إلى ضم الضفة الغربية بجميع مناطقها إلى إسرائيل وتطبيق السيادة الإسرائيلية والقانون الإسرائيلي عليها بكافة أجزائها. لقد نتج هذا الفهم عن الصياغات العامة التي أذاعتها وكالات الأنباء ونشرتها التليفزيونات والصحف الإسرائيلية والعالم في اليوم السابق للاجتماع بعنوان «قرار أمام اللجنة المركزية لليكود بضم الضفة الغربية». وفي اليوم الثاني جاءت صياغة الصحف العبرية بنفس المعنى، فمثلا نشرت صحيفة «يديعوت أحرونوت» العنوان التالي: «اللجنة المركزية لليكود صوتت لصالح ضم يهودا والسامرة» أي الضفة الغربية. لكن عندما قرأت التقرير الكامل كما نشرته الصحيفة نفسها تحت العنوان المذكور، وجدت النص الذي صوتت عليه اللجنة بالموافقة مختلفاً. والمقصود في هذا النص الليكودي بمصطلح «مناطق الاستيطان المحررة في يهودا وشمرون» مناطق الاستعمار الاستيطاني في الضفة الغربية المحتلة. لذلك فإني أولا: أرفض المصطلح الذي تستخدمه عقلية «الليكود» منذ وقعت الضفة تحت الاحتلال عام 1967، والذي يعتبرها أرضا محررة بدلا من كونها أرضا محتلة من قوات الاحتلال الإسرائيلية، كما أرفض مصطلح «يهودا وشمرون» الذي يحاول إضفاء مشروعية تاريخية على عملية الاحتلال. ثانياً: أريد التأكيد على فارق المعنى بين عنوان «يديعوت أحرونوت» وغيرها من الصحف، والذي يعني أن القرار يتحدث عن الضفة بكاملها، وبين صيغة القرار التي تتحدث فقط عن مناطق المستوطنات الإسرائيلية فيها. ثالثاً: إن القرار مرفوض جملة وتفصيلا، سواء فهمه البعض على أنه يتحدث عن الضفة الغربية بمجملها أو يتحدث عن الأجزاء المستعمرة منها، لأن القرار في الحالتين يدفن عملية السلام كما قالت الرئاسة الفلسطينية، باعتباره صادرا عن الحزب الحاكم الذي يقوده نتنياهو. رابعاً: لقد أعلن وزراء مقربون من نتنياهو أنه يوافق على القرار وأنه لم يكن ليمر من دون موافقته، ولاحظنا في نفس الوقت أنه تغيب عن اجتماع اللجنة المركزية الذي تم فيه التصويت، وهنا يقول بعض المحللين الإسرائيليين إنه بتغيبه يعطي نفسه فرصة ليدعي أمام العالم وأمام الرئيس ترامب أنه لا صلة له بالقرار. إني أوافق على هذا التفسير، لكني أضيف إليه أن نتنياهو هنا يواصل مسلكه المزدوج والقائم على الدهاء بأن يلبس قناع رجل السياسة العملية ليصور نفسه كشخصية برجماتية مرنة وليست كشخصية أيديولوجية متشنجة ومتصلبة بينما موقفه الحقيقى أيديولوجي مطابق لقرار اللجنة، وذلك مكشوف أمام من يريد أن يراجع تاريخه وسلوكه منذ كان يحرض جماهير اليمين ضد الجنرال رابين بسبب توقيعه اتفاقية أوسلو مع منظمة التحرير الفلسطينية بقيادة عرفات. رابعاً: إن هذا القرار سبق تقديمه إلى اللجنة المركزية لليكود في مرحلة سابقة، لكن نتنياهو وكبار الوزراء في حكومته وحزبه رفضوه، لأنه يعرض إسرائيل للعزلة الدولية ويعرض رئيس وزرائها لإشكالات أثناء تعامله مع رؤساء العالم، وبالتالي كان يمكن لنتنياهو إذا أراد أن يرفض التصويت على مشروع القرار أن يفعل هذا كما فعل في المرة السابقة. خامساً: لم ينس أعضاء اللجنة المركزية لليكود بعد التصويت أن يذكروا نتنياهو بضرورة قيامه بسحب اعترافه بحل الدولتين الذي أعلن عنه في خطابه بجامعة بار إيلان أيام الرئيس أوباما، مما يدل على أن نتنياهو يلعب السياسة بوجهين فهو من ناحية يحتفظ بكارت اعترافه بحل الدولتين ليبحر به في عالم السياسة الدولية، ومن ناحية أخرى سمح لحزبه باتخاذ ذلك القرار ليمكنه أن يقول لترامب إنه لا يستطيع التخلي عن المستوطنات في التسوية النهائية.